الاثنين، 6 يونيو 2016

التهنئة بدخول شهر رمضان



التهنئة بدخول شهر رمضان


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين .
أما بعد :

فالتهنئة بدخول شهر رمضان ؛ متعلقة بعبادة فلا نقول فيها إلا بدليل ، فهل هناك دليل صريح صحيح بالتهنئة ؟


غاية ما عندنا من نصوصٍ ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( أَتَاكُمْ رَمَضَانُ [هَذَا رَمَضَانُ قَدْ جَاءَكُمْ] ، "وفي رواية: [هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ] ؛ شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا ؛ فَقَدْ حُرِمَ ) .

أخرجه أحمد (2 / 230، 385، 425) ، والبزار "البحر الزخار" (16 / 273 / 9466) ، والنسائي (2103، 2106) وفي "الكبرى" (2 / 65، 66 / 2412، 2416) . وابن ماجه (1644) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ؛ انظر "صحيح الجامع" (55) ، و "المشكاة" (1962) ، وحسنه من حديث أنسٍ انظر "صحيح الجامع" (2247) ، و "المشكاة" (1964) ، و "صحيح الترغيب" (1000) .


وأصل الحديث عند البخاري (1799، 1800 ، 3103) ، ومسلم (1079) بألفاظ :

(إِذَا دَخَلَ ؛ [جَاءَ] ؛ [كَانَ] رَمَضَانُ ؛ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ ...) الحديث .

فالمتأمل المنصف المتَّبع ؛ لا يجدُ في ألفاظ لحديث تهنئة بدخول شهر رمضان ، وإنما هو إخبار منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه يبشرهم بقدوم ودخول الشهر ؛ وعدّد لهم فضائله ويُحفزهم في العمل الصالح فيه ؛ لا يتجاوز ذلك إلى التهنئة التي يذهب إليها البعض ؛ فأصبحت من المسلّمات ومن تركها أنكروا عليه ومن لم يبدأهم بها عابوا عليه ، فأصبح المنكر معروفاً والمعروف منكراً في زمنٍ غلبت العادات على العبادات بل وسيّرت العاداتُ العبادات .


وأما قول ابن رجب الحنبلي في "لطائف المعارف" (ص 148) وهو إمامٌ جليل لا شك وإن رغمت أنوف عقب حديث أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :

"قال بعض العلماء : هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان" ؛ فليس مسَلَّم إلا بنصٍ ؛ لأن هذه التهنئة متعلقة بعبادة المسلمين شهر الصيام الذي فيه عبادات مخصوصة ؛ مفروضة ومسنونة ليست في شهور السنة ؛ ولا تخفى على مسلم ؛ من الصيام والقيام والإكثار من الطاعات ، ولما تفضل الله به على عباده في شهر رمضان دون سائر الشهور من فتح أبواب السماء والجنان والرحمة ، وإغلاق أبواب النيران ، وتصفيد مردة الشياطين ، ومضاعفة الحسنات ...

فإذا فتحنا باب التهنئة في رمضان على مصراعيه كما هو حال الكثير من الناس الآن ؛ من إرسال الرسائل عبر النت والجوالات ومواقع التواصل ، وبالاتصالات التي لا تهدئ ولا تنتهي بل وتفننوا في المبالغة في العبارات وإنشاء البطاقات ؛ فإنه يلزمنا السكوت عمن يفتح باب التهنئة بدخول شهر الحج ويوم عرفة ويوم عاشوراء وشهر شعبان ويوم الجمعة ، وهلمجر ..

بحجة أنها مواسم عبادات وطاعات تَعْظُم فيها الحسنات ، فشهر الحج فيه ""العشر" وقد عظمها الله تعالى في كتابه : ]وَلَيَالٍ عَشْرٍ[ ، وعظمها رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ) ، وفيه أيام التشريق ويوم النحر ، بل وفيه الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ، ويرجع صاحبه كيوم ولدته أمه خالٍ من الذنوب ...
ويوم عاشوراء يكفر سنة ، وستة أيام من شوال مع رمضان كصيام الدهر ...

فبهذا لم ولن ننته من التهنئة والتبريكات طوال العام ؛ فهل جاءت الشريعة بهذا؟!
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين !

فإنِ انفتح هذا الباب ؛ فماذا نقول للمتصوفة أصحاب الأعياد والموالد والاحتفالات الذين يعتبرون يوم مولد النبي من الأيام العظيمة وموسم عبادة ... ؟!

أما التهنئة في يوم العيد فهذه مسألة لا تُقاس مسألتنا في التهنئة بشهر رمضان بها ؛ لأن تلك فيها آثار عن السلف ؛ وأيضاً التهنئة بالعيد بضواب ، وقد أفردنا فيها مقالاً قديماً ليس هذا محله .


تنبيه : لا يقول قائل : التهنئة عادة ، والعادات الأصل فيها الإباحة ما لم يأت نص على منعها .
فنقول : إن كانت عادة وسلّمنا بذلك ؛ فالأمر كما قال .

ولكن المشهد غير ذلك ؛ فالتهنئة مرتبطة ومتعلقة بعبادة سنوية وشهر عبادة لا يأتي في السنة إلا مرة واحدة ؛ فالأمر ليس عادة محضة ، وإلا أين آثار السلف في ذلك ؛ ما رأينا لهم تهنئة بشهر رمضان لو كان الأمر عادة ؟ مع ما فيهم من الحرص على العبادة والخير وحبهم لإخوانهم وأصحابهم ، حتى كان الرجل فيهم يقسم لصاحبه من ماله ، بل في زوجاته فينظر أيهن يرغب فيطلقها ويتزوجها صاحبه بعد انقضاء العدة ، ومع هذا لم نجدهم يهنئون بعضهم بعضاً بدخول شهر رمضان ولو حدث ذلك لنُقِل إلينا .

ولسنا نُحرم ذلك أو نُبدّع صاحبه ، ولكنّنا نبين ونُوضح المسألة حتى لا يأتي زمان يقال : التهنئة واجبة أو سنّة ، أو يعاب ويُنكر على من لم يفعلها أو من بيّن الحق بدليله ، بل ويرون ذلك منكراً .

قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( لا تقوم الساعة حتى يكون المعروف منكراً والمنكر معروفاً ) .  
أورده الألباني في "صلاة التراويح" (ص 105) المكتب .

وقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
"كَيْفَ بِكُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ ، وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ، وَيُتَّخَذُ سُنَّةٌ ، فَإِنْ غُيِّرَتْ يَوْماً ، قِيلَ : هَذَا مُنْكَرٌ" .

وفي لفظ : "يَتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً ، إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ ؛ قِيلَ : تُرِكَتِ السُّنَّةُ" .


فـ"إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَحُكْ رَأْسَكَ إِلَّا بِأَثَرٍ ؛ فَافْعَلْ" ؛ كما قال الثوري رحمه الله .

فعليك بلزوم السنة يا طالب الحق ؛ طالب بها نفسك وأمر بها من أطاعك تنج وتسلم وتنعم .



فاللهم اجعلنا متبعين للأثر ناصحين لعباد الله غير غالين ولا جافين .



كتبه /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
1 / رمضان / 1437ه