الاثنين، 11 يوليو 2016

هل رَخُصت بيوت الله في الأرض ؟!



هل رَخُصت بيوت الله في الأرض ؟!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه .
أما بعد:

 فلا شك أنّ كل مسلم يعلم أنّ للمساجد عظيم احترام وتقدير ومهابة ، ومكانة عالية رفيعة عند المسلمين .
واعتنت بها الشريعة أيما اعتناء وأنها أماكن عبادة الله تعالى ، قال تعالى :
]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ [ .
[التوبة: 18] .
وعِمارة المساجد؛ إِنّما هو مَنْ عَمَرَهَا بِحَقِّهَا بالصلاة والذكر والتسبيح وقراءة القرآن والعلم. 
قال تعالى :
]فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ[ [النور: 36] .

فنقول : هل الغناء والرقص والشيلات من العبادة ، وهل لهذه بُنيت المساجد وشُيِّدت وأُنشئت ؟

وهل مَدّ الموائد مما لذّ وطاب من الطعام في المساجد ، مع النتائج المترتبة على مخلفات الأطعمة وما في محيطها من رمي المناديل وبقايا الأطعمة والأوساخ ، ونفايات تكون في أرضية المسجد ؛ هل هو من تعظيم بيوت الله تعالى وتقديسها وتطهيرها ؟!

أم هي مخالِفة لجمعٍ من الأحاديث الصحيحة الثابتة في الأمر بنظافة المساجد والاعتناء بها من كنس وتطهير وتنظيف وتطييب والحث على ذلك؟

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ، فَقَامَ ، فَحَكَّهَا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِمْ ) . متفق عليه . واللفظ لأحمد (2 / 6) .

ومِن عِظَم الاعتناء بالمساجد ونظافتها التفت صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى تلك المرأة السوداء التي كانت تعنتني بنظافة المسجد فسأل عنها حين فقدها .

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : "أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ - أَوْ شَابّاً - ، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلَ عَنْهَا - أَوْ عَنْهُ - ، فَقَالُوا : مَاتَ . فَقَالَ :
( دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ - أَوْ قَالَ قَبْرِهَا -) ، فدلوه فصلى عَلَيْهَا" . متفق عليه . 

إن مجرد تزيين وزخرفة المساجد والتباهي في بنائها وزخرفتها ؛ هو مخالف لسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لما في ذلك من إلهاء المصلي عن الخشوع الذي هو روح الصلاة ولبها .
فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :  

(نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ) .
رواه ابن حبان في "صحيحه" (1614) وصححه الألباني .

كيف وقد حصل "غناء – ما سمَّوه بـ"الشيلات" – تخفيفاً لجرمها - مصحوب بالمعازف – ، ورقص ولعلب ، ومائدة ممدودة عليها من الأطعمة والأشربة ، وتعليق خيوط وخِرق الزينة والنفافيخ – البالون – والباقات ؛ في بيت من بيوت الله تعالى – وللأسف – يوم العيد بعد صلاته .

وهذا رابط الفديو حتى لا يقول قائل أنتم تفترون وتكذبون ؛ وقد ابتُلينا في عصرنا بأناس لا يصدقون إلا بالصوت والصورة ، مع إننا لا نُجيز التصوير :

وأنا أعلم علم اليقين ؛ أن العجائز في بيوتهن – وليس تنقصاً فيهن - بفطرتهن وسلامة عقيدتهن ؛ يُنكرن ويستنكرن هذا ؛ مع أنهن لم يصل علمهن كعلم إمام المسجد ؛ ولكن المسألة بالفهم في الدين وتعظيم شعائر الله تعالى وليست بكثرة العلوم .
ولو عظّم إمام المسجد والمصلين شعائر الله – وبيوت الله من شعائره تعالى – لكان خيراً لهم .
ولو عَظُم الله في نفوسهم ؛ لعظَّموا بيوته سبحانه في الأرض .

قال تعالى :
]وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[ [الحج: 32] .

كيف وقد أعظَم وشدد النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الزجر لمن ينشد في المسجد ما فقده.

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ ؛ فَلْيَقُلْ : "لاً رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ" فَإِنَّ الْمَسَاجِد لم تبن لهَذَا) . رَوَاهُ مُسلم (568) وغيره .

فإذا كانت الضالة التي هي من المهمات عند المرء وخاصة إذا كانت باهضة الثمن ؛ زجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينشُدها صاحبها في المسجد بل أمر بالدعاء أن لا تُرد عليه ؛ فهل الاحتفال بالغناء والرقص في المسجد وإن كان يوم عيدٍ أهم من إنشاد الضالة ؟

وقد حذّر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أنْ تكون المساجد كالأسواق ؛ بها اللَّغَطُ وَالصَّخَب وَارْتِفَاعُ الْأَصْوَاتِ ، وما ذلك إلا صيانة لها ، فكيف يُؤتى بالأغاني ويُحدث الرقص في بيت من بيوت الله ؟!

فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(إِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ) .                   رواه مسلم (432) وغيره .


سنجد من ينبري ويدافع باطلاً واستصحاباً للهوى ويقول :
الأحباش رقصوا في المسجد والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر ؛ بل وسمح لعائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أن تنظر إليهم .

فنقول : نسوق الحديث بنصه ثم ننظر في عباراته ، وفي أقوال أهل العلم فيه .

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (كَانَ يَوْمُ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالحِرَابِ ..) الحديث . متفق عليه .

وفي بعض الألفاظ : (وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِحِرَابِهِمْ) .
انظر "الفتح" (2 / 443) .

وَ (الدَّرَقً) : ضَرْبٌ مِنَ التِّرَسةِ ، الْوَاحِدَةُ دَرَقة : تُتَّخَذُ مِنَ الْجُلُودِ .
وَ (الحِرَابُ) جمع : حَرْبة : وهي الأَلةُ دُونَ الرُّمْحِ ؛ العَرِيضُ النَّصْلِ ، وَلاَ تُعَدُّ الحَرْبةُ فِي الرِّماح .

"اللسان" (10 / 95 و 1 / 303) على الترتيب . و "تاج العروس" (2 / 250) .

فيلاحظ : ليس في الحديث ولا ألفاظه كلمة : "رقص - أو - يرقصون" ؛ إنما :
"يلعب و يلعبون" .
فلا يجوز زيادة ألفاظٍ بأي حديث غير ما فيه كي نُمَرِّر لأهل الأهواء رغباتهم ، أو نُوجِد مُبرراً لأفعال المخالف يدخل منها .

ثم انظر لتوجيه أهل العلم لهذه الحادثة وتأمل فيها تأمل المسترشد طالب الحق ؛ وليس المتشبث ببيت لعنكبوت .

"قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ : هَذَا السِّيَاقُ يُشْعِرُ بِأَنَّ عَادَتَهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ عِيدٍ" ، وَوَقع فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ :

"لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ الْحَبَشَةِ ، قَامُوا يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ ؛ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّرْخِيصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ بِحَالِ الْقُدُومِ ، وَلاَ تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قُدُومُهُمْ صَادَفَ يَوْمَ عِيدٍ ، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِمُ اللَّعِبُ فِي الْأَعْيَادِ ؛ فَفَعَلُوا ذَلِكَ كَعَادَتِهِمْ ، ثُمَّ صَارُوا يَلْعَبُونَ يَوْمَ كُلِّ عِيدٍ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ :

"لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ؛ لَعِبَتِ الْحَبَشَةُ فَرَحاً بِذَلِكَ لَعِبُوا بِحِرَابِهِمْ" ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ يَوْمَ قُدُومِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهُمْ أَعْظَمَ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ .

قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ : سَمَّاهُ "لَعِباً" ؛ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ التَّدْرِيبَ عَلَى الْحَرْبِ ، وَهُوَ مِنَ الْجِدِّ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ شَبَهِ اللَّعِبِ ؛ لِكَوْنِهِ يَقْصِدُ إِلَى الطَّعْنِ وَلاَ يَفْعَلُهُ" . انتهى .
"الفتح" (2 / 443) .

فانظروا رحمكم الله ؛ هل يُقاس الرقص الهمجي مع ما اصطُحب من معازف فيما سمّوه بـ"الشيلات" – ترقيقاً لفعلتهم - في مسجد "باصابرين" بلعب الحبشة الذي هو تدريب على الحرب ؟! سبحان ربي .
]فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ[ .

وهنا أتذكر أن الشيخ عائض القرني قال بجواز الرقص في المسجد ، فلعل القائمين والمنظمين في المسجد المذكور أخذوا ذلك عنه وإن لم أجد لهم تصريحاً بذلك ، لأن إمام المسجد أنكر أن يكون الرقص كان بإذنه وعلمه حسب تغريدته .
كيف لا يكون بعلمك وأنت قد نظمت مسبقاً لهذا الحفل ؟!

فقلتَ في تغريدةٍ :
"الشيلات حرصنا على انتقاء ما كان منها بجانب العيد وخالي من الوسيقى" .

فهل تريد أن تُقنع المئات بل الآلاف من الناس بأنّ الحاضرين سيلزمون أماكنهم مصلَّبين إذا سمعوا "الشيلات" دون رقص وتمايل ؟!
إنّ هذا لشيء عجيب !

نعود لكلام القرني في لقاء معه مع موقع "إم بي سي نت" جاء فيه :

"حماسه ورغبته في إباحة الرقص بالمساجد – رقص المقيمين في المسجد – إلا أنه يخشى من ردة فعل الناس ، وخاصة المتشددين منهم .. الذين قد يهاجمونه ، بل ويداهمون منزله حتى ينتهي الأمر به في المقبرة" .

وهذا رابط الخبر كي لا يُقال إننا نتصيد العلماء على حدِّ قول المحبين له .
وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم :

رابط قول القرني : الرقص داخل المسجد جائز

مِن هذا المنطلق ؛ نقول :
فهل يا تُرى يستطيعون أن يمنعوا الصوفية من الرقص ، ويُحرِّمونه عليهم بينما يُحلونه لأنفسهم ؟

لو قالوا : نعم . رقص الصوفية لا يجوز .

فنقول لهم على لسان الصوفية : ما دليلكم وما الفرق بين رقصنا ورقصكم ؟
فحاروا جواباً .

ثم هنا تنبيه هام جداً لطالب العلم وطالب الحق :
معلومٌ عند أهل العلم ؛ أن الراوي أدرى بمرويِّه ، فعائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا رَوت حديث لعب الحبشة ، وأيضاً كبار الصحابة كانوا موجودين في المسجد ينظرون لعبهم ولا شك .
فهل بلغكم أن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أجازت الرقص في المسجد بعد وفاةِ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟

وهل ترْوُون لنا عن الصحابة أنهم فعلوا ذلك في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ ناهيك أن تنقلوا لنا عنهم أنهم لعبوا في المسجد بعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
]قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[ .

فما لم يفعله الراوي ولم يُفت به ولا فعله الصحابة ؛ فهو الدين والشرع الذي لا محيص عنه . فإن فهم الصحابة هو المقدم على كل أحد بعد النبيصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فتنبه وعُضّ عليه يا طالب النّجاة .

وهنا سؤال في المسألة موجه للجنة الدائمة وأجابت عليه وهذا نصّه :
السؤال : عن جواز اللعب في المسجد ؛ هل هو جائز ، وكيف يمكن تفسير هذا الحديث ؟
الجواب :
 كان هؤلاء الحبشة ر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم يلعبون بالحراب في المسجد يوم عيد ، يمرنون بذلك أنفسهم ويدربونها على أعمال الحرب استعدادا لجهاد الكفار ، ولا شك في أن هذا العمل من فعل الخير ؛ لأن الجهاد في سبيل الله ، والاستعداد له بعدته ، وتمرين النفس على استعمالها ، للانتفاع بها عندما يدعو الداعي إلى الجهاد - لا شك أن ذلك من واجبات الإسلام ، لكنه سمي لعبا لما فيه من الشبه باللعب لكون المتدرب . يقصد إلى الطعن ولا يفعله ويوهم قرنه بذلك ولو كان أقرب قريب إليه كأبيه وابنه ، وبذلك يتبين أنه لا بأس بفعله في المسجد ؛ إذ هو قربة ، وفعل خير في حقيقته وإن كان لعباً في صورته .

أما اللعب المحض في حقيقته وصورته ؛ فهو لهوٌ ؛ لا يجوز فعله ولا التدرب عليه ، ولا إقراره ، ولا التفرج عليه .
ونظيره مشروعية السباق بالخيل والإبل والنبال، والتدريب على ذلك استعدادا للجهاد في سبيل الله ، وأخذا بأسباب القوة ، وإقامة الدولة الإسلامية ونصرة دين الإسلام فإنه يشرع في مكانه المناسب له ، وليس من اللهو الممنوع ، وكل ذلك داخل في قول الله سبحانه : ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ[ [الأنفال : 60] .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ...
عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
"فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الأولى (6 / 309-310) الدويش .



ننتقل إلى مسألة "الشيلات" حيث قال إمام المسجد المذكور في تغريدةٍ له :
"الشيلات مسألة محل خلاف بين أهل العلم ، وأجازها الشيخ عبد العزيز الفوزان" .

فأقول : أثبت العرش ثم انقش !
الشيخ المذكور ؛ مع إني اختلف معه في مسائل عدة منهجية وفقهية ، ولكن من باب : "إذا قُلتم فاعدلوا" .
فهو لم يطلق الجواز لسماع الشيلات ، بل اشترط أن لا يكون فيها معازف ومثّل : بالطبل والعود والكمنجة الخ. ولم يتطرق لمسألة "المؤثرات الصوتية" .

ثم لو أجازها على الإطلاق ؛ فهو ليس بحجة ، بل الحجة الكتاب والسنة وكلام أهل العلم المعتبرين .

يقول إمام المسجد في تغريته ؛ متعذِّراً :

"جانب المؤثرات الصوتية البشرية التي كانت مصاحبة للشيلات" .

أقول : مسألة "المؤثرات الصوتية البشرية" ذرُّ رمادٍ في العيون ، وإبعاد الناس عن الحقيقة بل هو غِش للناس وتدليس عليهم ، وأيُّ غشٍ وتدليس أعظم من الغش في الدين .

فـ"الؤثرات الصوتية" التي يزعُم أنها بشرية ؛ غير صحيح ، بل المؤثرات الصوتية لا تكون إلا وقد دخلها شيء من المزامير بقوة التقنية الحديثة وإتقانها التي لا يعرفها ولا يلاحظها جمهور الناس ، واسألوا عن ذلك أهل العلم والخبرة بها وإن كانوا فسقة ، ولا تسألوا الكذّابين وإن كانوا متنسكين .

إلا أني وجدت ولله الحمد لأحد الغيورين - على دينه أحسبه والله حسيبه - مقطع يُثبت ما قلته من أن الشيلات يدخلها مزامير ولا محالة ، فقد زار بنفسه أحد استديوهات الشيلات :

http://www.mashahed.info/59674

فجزى الله خيراً من أرسل لي المقطع ؛ لنخرق به أعين الكذَّابين المدلِّسين الذين لا يتورعون في الكذب على الناس والتلبيس عليهم في دينهم . 




وقال أحد الخبراء بالمؤثرات في هذا الزمان:
الايقاع هو عبارة عن تفعيلة معينة بآلة او مجموعة آلات كل آلة تقول شي مختلف عن الثانية مثلا الطبلة تقول دوم دوم تك تك وتستمر والالة الثانية مثل البونجوز تك تتك دوم وهذا يعتبر عزف حر لكن بموازين محددة مثلا 4/4 او 2/4 او 3/4 وهذي الارقام عباره عن ازمنه للسرعات وفي اكثر واكثر من هذا والرق يقول شي ثاني تش تش تش تش .

وأجهزة الكمبيوتر وبرامج الصوت بهذا  الاستخدام الإيقاعي وعلى هذا الإتقان من العزف يجعلها آلة لهو وإن لم تكن معدة لذلك في الأصل ثم إن اعتماد كثير من المطربين وأهل الفن على برامج الصوت والأجهزة الحديثة يجعلها من أبرز آلات اللهو في هذا العصر عند استخدامها لهذا الغرض.. انتهى .



وسئل شيخنا بقية السلف صالح بن فوزان الفوزان عن "الشيلات" ؟

فقال : الشيلات هي أغاني ، وهي أشد أنواع الأغاني .

وهذا الرابط الصوتي  :

https://www.youtube.com/watch?v=cCxSbZBzQEg


ثم يسأل هذا السؤال كل محب لدينة ومُعظِّم لشعائر الله :
لماذا هذا الدفاع عن الرقص والغناء في بيوت الله ، والبحث عن أدلة استحلاله ومشروعيته ؟
ألهذا بُنيت المساجد وشُيِّدت ؟
(فَإِنَّ الْمَسَاجِد لم تبن لهَذَا) .
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(إِنَّمَا بُنِيَ هَذَا الْبَيْتُ [الْمَسْجِدُ] لِذِكْرِ اللهِ وَالصَّلَاةِ) .
رواه أحمد (2 / 503) ، وابن حبان (985) وغيرهما . وصححه الألباني .

وللأسف نجد المدافع عن ذلك والمنافح والداعي لها ؛ هم من تلبسوا بسمة الصلاح والتدين والعلم .
ولم نجد المغنين والموسيقيين والممثلين دعوا إلى ذلك ولم يتجرؤوا على بيوت الله مثل من يلقبون بـ"شباب ودعاة الصحوة" !!!

قال محقق العصر العثيمين :
"أما الرقص للرجال فإنه لا يجوز ؛ لأن الرقص من عادات النساء وليس من عادات الرجال .
وأما اللعب بالسلاح بالبنادق والسيوف وما أشبه ذلك ؛ إذا لم يكن فيه طبول ؛ فهذا لا بأس به ؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكّن الحبشة أن يلعبوا في وسط مسجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برماحهم ، لكن بدون رقص".
"لقاء الباب المفتوح" (39 / 11 / سؤال 5) .


ننتقل إلى المائدة التي مُدّت في المسجد وطاشت الأيدي فيها .
يقولون : كان "أهل الصفة" من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم يأكلون في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فكيف تنكرون علينا هذه المائدة يوم العيد ؟

نقول : صدقتم . كلمة حق أريد بها التلبيس على الناس .
أولاً : نُعَرِّف "الصُّفّة" ما هي ؟
قال ابن حجر : "الصُّفَّةَ : مَكَانٌ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ، مُظَلَّلٌ ، أُعِدَّ لِنُزُولِ الْغُرَبَاءِ فِيهِ ؛ مِمَّنْ لَا مَأْوَى لَهُ وَلَا أَهْلَ" . "الفتح" (6 / 595) .

وكانت في الجزء الشمالي الشرقي من المسجد مُظللة بجريد النخل ، وتُسمّى "الصفة" أو "الظلة" .

وفي الغالب أنهم لا يأكلون في المسجد ؛ بل يُؤخذُ بعضُهم مِن قِبَل بعض الصحابة ويطعمونهم في بيوتهم لأنهم كثير لا يستطيع أحد يطعمهم لوحده أو يأتي لهم بطعام في المسجد إلا ما ندر جداً ، والأحاديث في ذلك كثيرة عنهم .

ولكن حصل وأن أكلوا في المسجد عندما جاءهم الطعام ؛ لأنهم لا مأوى لهم ولا منزل غير "الصُّفة" هذه ، ويكون الأكل في المسجد لطارئٍ وحاجة ونوعٍ واحد من الطعام ؛ وليس من باب الاحتفال وتنوع المأكولات والبذخ ؛ كما هو الحال في المسجد المذكور .

ففي الحديث الصحيح :

" كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ : الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ) .
وهذا يفيد الإخبار بجواز الأكل أحيانا لحاجة مّا ، ولم يكن ديدنهم مدّ السُّفر ووضع ما لذّ وطاب من الأطعمة والأشربة عليها ، لأنهم فقراء جياع لا يجدون الطعام بالأيام غير القنو من التمر كما أخبر أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكان منهم .

وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : "أَللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الجُوعِ ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الجُوعِ" .
أخرجه البخاري (6087) وغيره .

النفيات وصناديقها في المسجد لبعض علمائنا المعاصرين المعتبرين اليوم قولاً قوياً متيناً.

فتوى العلامة محمد العثيمين رحمه الله :
مسألة ( 153 ) (11/11/1419هـ )

س : يوضع في بعض المساجد في قبلة المصلين صناديق لوضع النفايات من مناديل ونحوها ؟
فأجاب : لا أرى ذلك ، لأن النفس تتقزز منه .
فسألته : هل ينهى عن ذلك ؟
فأجاب : النهي عنه شديد .
فسألته : فما حكم وضع كراتين المناديل فقط ؟
فأجاب : لا بأس ، للحاجة إلى ذلك ، وإذا استعملها وضعها في جيبه .
"ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين رحمه الله" د. أحمد القاضي .

فتوى العلامة صالح الفوزان :
س : هل يجوز وضع سلة مهملات صغيرة في نواحي المسجد ؟

الجواب : إذا كانت سلات الزبالة والأوعية التي تجمع فيها الزبالة ، ما تمكث في المسجد ، وإنما تجمع وتخرج في الحال ، أما إذا كانت تترك في المسجد وقت أو أيام فهذا لا يجوز ، لا يجوز أنها تترك وقت طويل أو أيام ؛ لأنها تسيء إلى المسجد وربما ينبعث منها روائح كريهة أو مناظر سيئة ، الحاصل أنه إذا بودر بإخراجها وتفريغها خارج المسجد لا بأس ، أما أنها تترك مدة طويلة في المسجد وتجمع فيها الزبالات والأشياء التي ربما يحصل منها روائح كريهة فهذا لا يجوز .
المرجع : "أسئلة كتاب الصلاة من زاد المستقنع" .


وكان من ضمن قائمة الواجبات التي فرضتها وزارة الشؤون الإسلامية مشكورة على الإمام أن يوقع عليها عند التعيين مانصه :
( عدم وضع سلال النفايات بين صفوف المصلين أو مقدمة المسجد ..) . انتهى .

المصدر : موقع الشيخ محمد بن أحمد الفيفي .
http://al-faifi.net/articles-action-show-id-87.htm



ونختم بهذا الحديث الجامع المانع :

( ... وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً ؛ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا ، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْء) .

رَوَاهُ أحمد (4 / 357، 358) ، ومُسلم (1017) .


كتبه /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي

5 / شوال / 1437هـ