رسالة من محمد بنِ عبدِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلى كل من ولاَّه ولي الأمر من الوزراء والمسئولين
في جميع دول الإسلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول
الله وآله وصحبه ومن والاه .
أما بعدُ :
فالبعض من المسئولين – نواب الرئيس والوزراء
والوكلاء والمدراء – يرون أن لهم الحق في الأخذ مما تحت أيديهم من ممتلكات الدولة -
من أموالٍ وغيرها - بحجج واهية منها على سبيل المثال :
أنّ هذا لكم وهذا لي جاءني هدية أو
اجتهاد مني .
أني وفَّرْتُ للدولة في الميزانية ؛
فيحق لي أن اجتزئ مقابل اجتهادي وإخلاصي .
أني حصلت من الشركة – الفلانية - المتعَاقَد
معها هذا المال من غير أن آخذ من قيمة
عقد الدولة .
أني عقدت صفقة كبيرة ووفرت للدولة ؛ فلي
أن آخذ ما تيسر من الجهة الأخرى ولم آخذ
من أموال ومستحقات الدولة .
وغير ذلك من اللّف والدوران والحِيَل الشيطانية
.
والجواب على ذلك والتحذير يأتي من
النبي الكريم الصادق المصدوق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأحاديث الآتية
فاقرأها يا عبد الله – أيها المسئول – بتمعن وتدبر وتقوى لله ، واعمل بها تنجو من
عذاب الله تعالى يوم القيامة .
ولو أنّ كل مسئول استحضر هذه الأحاديث
وما فيها من وعيد لكانت الأمة الإسلامي بخير .
ولكن – للأسف - لسان بعض المسئولين
يقول : المنصب و "الكرسي" لا يأتي في العمر إلا مرة ، وهذه فرصة وصفقة
العمر فاغتنمها ولا تفوتها !
الحديث الأول :
وَعَنْ
عَدِىِّ بْنِ عَمِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(
مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ
؛ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
فَقَامَ
إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الأَنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ ! اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ . قَالَ : ( وَمَا لَكَ ؟ ) . قَالَ
: سَمِعْتُكَ تَقُولُ : كَذَا وَكَذَا . قَالَ :
(
وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ ، مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ
[فَلْيَأْتِ] بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ ،
وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى ) .
رواه
أحمد (4 / 192) ، ومسلم (1833) ، وأبو داود (3581) .
وصححه
الألباني في "صحيح الترغيب" (781) .
في الحديث :
1- الحذر من أن تُخفي – أيها
مسئول - شيئاً مما استأمنك ولي الأمر على حفظه أو جلبه او استيفائه .
2- طلب الإقالة من العمل
إذا رأيت أنك – أيها المسئول - لا تستطيع القيام به أو خِفت على نفسك الدنيا
وحلاوتها ؛ بأن تأتي يوم القيامة بشيء من ميزانية الدولة على ظهرك .
الحديث الثاني :
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ ، يُدْعَى "ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ"
، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ ، قَالَ : هَذَا مَا لُكُمْ ، وَهَذَا
هَدِيَّةٌ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي
بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ
صَادِقًا ) ، ثُمَّ خَطَبَنَا ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ
قَالَ :
( أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي
أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ ،
فَيَأْتِي فَيَقُولُ : هَذَا مَا لُكُمْ ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي ،
أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ ؟!
وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ
مِنْكُمْ شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ ؛ إِلاَّ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ
القِيَامَةِ ، فَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيراً
لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ) .
ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ
بَيَاضُ إِبْطِهِ ، يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ) .
رواه أحمد (5 / 423) ، والبخاري (6578)
، ومسلم (1832) .
في الحديث :
التحذير مِن أن يدعي
المسئول أنّ هذا لكم ولم أنتقص منه شيئاً ، وهذا جاءني رزق من الله
"هدية" !
فلو لم يمكنك ولي الأمر –
أيها المسئول - من هذا المنصب ؛ لما جاءتك هذه الهدايا والعطايا التي تزعم أنها لك
.
الحديث الثالث :
وَعَنْ
عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعثَه على الصَّدَقَةِ ، فَقَالَ :
(
يَا أَبَا الْوَلِيدِ ! اتَّقِ اللهَ ، لاَ
تَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقرةٍ لَهَا
خُوارٌ ، أَوْ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ ) .
قَالَ
: يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنّ ذَلِكَ لكَذَلِكَ ؟
قَالَ :
(
إِيْ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ) .
قَالَ : فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ لا
أعملُ لَك على شَيْءٍ أبداً .
رواه الشافعي في "مسنده" (ص
99) ، وعبد الرزاق في "المصنف" (4 / 53 / 6949) ، والحميدي في
"مسنده" (2 ، 141 / 919) ، والحاكم (3/354) – وصححه - ، والبيهقي في
"الكبرى" (4 / 158) .
وصححه الألباني في "صحيح
الترغيب" (780) .
الحديث الرابع :
عَنْ
سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ :
(
قُمْ عَلَى صَدَقَةِ بَنِي فُلَانٍ ، وَانْظُرْ لاَ تَأْتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِبَكْرٍ تَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِكَ ، أَوْ عَلَى كَاهِلِكَ ، لَهُ
رُغَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
قَالَ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! اصْرِفْهَا عَنِّي ، فَصَرَفَهَا عَنْهُ .
رواه
أحمد (5 / 285) ، والبزار في "البحر الزخار" (9 / 190 / 3737) و هو في "كشف
الأستار" (1 / 425 / 897) ، والطبراني في "الكبير" (6 / 17/ 5363)
.
وصححه
الألباني لغيره في "صحيح الترغيب" (777) .
قوله
في الحديث : (وَانْظُرْ لاَ تَأْتِي) ؛ أي : اِحذر أن تأتي غاشاً خائناً للأمانة .
و
(الْبَكْر)
: هُوَ الفتيّ من الْإِبِل ، وَالْأُنْثَى بَكْرَة .
في
الحديث :
طلب العفو من المنصب والمهمة تقوى لله تعالى ، وخوفاً من أن لا يستطيع
القيامة بأداء المهمة كما أمر الله .
جمعه وكتبه /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .