قالوا
: سلامة الحج هذا العام 1437هـ وأمن الحجيج كان بسبب عدم مشاركة إيران
"الرافضة" ، وأن عدد الحجاج لهذا العام كان قليل جداً لذا رأيتم سهولة تنقل
الحجاج بين المشاعر !
قلتُ : كذبوا والله ، وتنكروا لأهل الفضل ، وبخسوا
الناس أشاءهم ، وأغفلوا جهود المخلصين وضربوا بها وراء ظهورهم .
تلك
مقدمة قصيرة بين يدي الموضوع ، والقادم نرجو فيه الخير بتفصيلنا المختصر .
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسوله الله وآله وصحبه ومن والاه .
أما
بعد :
فقد
قرأتُ وسمعت - كحال غيري - في بعض الصحف ومواقع "التواصل والاجتماعي"
والإذاعات والمحطات الفضائية ؛ أنهم ينسبون الأمن الذي حصل في الحج هذا العام
1437هـ وسلاسة الحجيج في تنقلاتهم بين المشاعر في يسر وسهولة إلى أن إيران
"الرافضة" لم يشاركوا !
فقلتُ
وأقول : كذبوا ورب الكعبة ورب محمد النبيِّ الأُمي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، وجهلوا أو تجاهلوا الأسباب الحقيقية التي عملت بها حكومة
"المملكة العربية السعودية" والتي أدت لهذا الأمن في مناطق الحج وعامة
مناطق "المملكة" ، والتي سنلخصها فيما يلي – وما ذلك إلا فضلاً مِنَ
الله ونعمة ومنّة منْه :
أولاً
: إقامة حكومة "مملكتنا العربية السعودية"
شرع الله تعالى وتحكيمه والعمل به في حياتها ومجتمعها ؛ هو الذي بسط الأمن وأرخا
ظلاله .
قال تعالى : ]وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلُيَبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعَبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا
وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ [النور : 55] .
قال الطبري في
"تفسيره" لهذه الآية : " – صدّقوا- بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَأَطَاعُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَمَرَاهُ وَنَهَيَاهُ ؛ لَيُوَرِّثَنَّهُمُ اللَّهُ الأَرْضَ
، فَيَجْعَلُهُمْ مُلُوكَهَا وَسَاسَتَهَا ، وَلَيُغَيِّرَنَّ حَالَهُمْ عَمَّا
هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوْفِ إِلَى الْأَمْنِ" .
ثانياً :
توحيد الله تعالى ونشره بين المسلمين ونبذ الشرك بأنواعه والبدع .
قال تعالى بالإضافة
إلى الآية السابقة :
]الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ
وَهُمْ مُهْتَدُونَ[ [الأنعام : 82] .
قال ابن جرير الطبري
في "تفسيره" في هذه الآية : "الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ،
وَأَخْلَصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَلَمْ يَخْلِطُوا عِبَادَتَهُمْ إِيَّاهُ،
وَتَصْدِيقَهُمْ لَهُ، بِظُلْمٍ، يَعْنِي: بِشِرْكٍ، وَلَمْ يُشْرِكُوا فِي
عِبَادَتِهِ شَيْئًا، ثُمَّ جَعَلُوا عِبَادَتَهُمْ لِلَّهِ خَالِصًا، أَحَقُّ
بِالْأَمْنِ" .
ولقد
وعد الله تعالى - وهو القائل : ]إِنَّ
اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ[ [الرعد : 31]- كل مَن يَنْصُرُ دِينَهُ
وَنَبِيَّهُ باتباع الأوامر وترك النواهي ؛ فيقيم شعائر الدين بتحكيم شرع الله ، ويقيم
الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويأمر بالمعروف ؛ وهذا يشمل كل معروف حسن شرعاً وعقلاً من
حقوق الله ، وحقوق الآدميين ، وينهى عن المنكر ؛ وهو كل منكر شرعاً وعقلاً معروف
قبحه ، بأن ينصره الله ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.
قال
تعالى :
]وَلَيَنصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ _ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ
أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا
عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[ . [الحج : 40-41] .
وإن
كانت الآية نزلت في أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
إلاَّ أنّ العبرة بـ"عموم اللفظ لا بخصوص السبب" كما هو مقرر عند أهل
العلم .
قلتُ
: وَلاَ وَلَنْ يَخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ سُبْحانَه .
]وَمَنْ
أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا _ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا[ [النساء : 87،
122] .
قال
ابن كثير : "]وَلِلَّهِ
عاقِبَةُ الْأُمُورِ[ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ]وَالْعاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ[" .
ثالثاً
: تعاضد وتكاتف الفريقين "ولاة
الأمر" على الحق والعمل بالكتاب والسنة في هذه البلاد "المملكة العربية
السعودية" المذكورين في الآية وهم : "العلماء والأمراء" مع بعضهما
البعض .
قال
تعالى : ]يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ[ [النساء : 59] .
قال
بعض أهل العلم ]وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ[ : "هُمُ الْأَمَرَاءُ وَالْوُلَاةُ ، وأَهْلُ الْفِقْهِ
وَالْعِلْمِ" .
رابعاً
: التفاف الرعية حول "ولاة
الأمر" المعنيين في الآية السابقة من : أمراء وعلماء ، واجتماعهم عليهم وعدم
الافتراق ؛ عملاً بأوامر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ
وَالْفُرْقَةَ) .
رواه
أحمد (5 / 370) ، والترمذي (2165) وغيرهما .
وصحح
الألباني في "صحيح الجامع" (2546) .
خامساً
: اهتمام حُكّام "الدولة السعودية"
بخدمة الحجيج بداية من المؤسسة الملك عبد العزيز يرحمه الله عام 1342هـ دخوله
الحجاز إلى يومنا هذا ؛ وتذليل العقبات ، وتسخير كافة الجهود والإمكانات والتقنيات
الحديث لراحة الحُجّاج والمعتمرين ، وزُوّار مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ . والواقع خير شاهد ، بل وشهد الأعداء بالجهود الطيبة قبل الأصدقاء .
سادساً
: استشعار جميع العاملين في خدمة الحجّاج
في جميع القطاعات الحكومية والغير حكومية بالمسئولية وتفانيهم في العمل الدؤوب
المنقطع النظير .
وأخص
بالذكر وأشيد بهم : "رجال الأمن" في جميع القطاعات الأمنية العاملة في
الحج ؛ سواءً في المطارات والموانئ أو المعابر البرية وفي مناطق الحج عامة
والمشاعر المقدسة .
فقد
كانوا خير رجال ؛ واحتسبوا عملهم عند الله وهم يرون أنه واجب ديني قبل أن يكون
تنفيذُ أوامرِ رؤاسائهم .
فكانوا
متفطنين وحذقين ومتنبهين لما يدور حولهم ، وكانوا يحنون على الضعيف من الحجاج ،
ويساعدون المحتاج ، ويسعفون المريض ، ويحملون العاجز ، ويرشدون التائه ، كما أنهم
يضربون بيد من حديد على يد العابث بأمن الحجاج .
فمن
نسيهم أو تناساهم وجهودهم ؛ فهو أعمى بصر وبصيرة ، ولم يعرف لأهل الفضل فضلهم ، وليس
له عندنا إلا حفنة من تراب في وجهه .
تنوير وتبصير :
أما
إن كانوا يقصدون أن الحج خلى من عمليات الإرهاب "الشغب الرافضي" الذي
كنّا نعتاده كل عام ؛ وما ذاك إلى بسبب غياب "إيران" فهذا له جواب آخر ،
فنقول :
إن
ربط نجاح عملٍ كبير ما ومتكامل بحدوث ما يكدر صفو الجو العام ؛ ليس بمقياسٍ ، وليس
من العدل والعقل في شيء ، ولا يدل على الفشل أبداً أو عدم النجاح ، وأضرب على ذلك
مثالاً واحد على الواقع :
ما
حصل في غزوة أحد من تكديرٍ - في أول الأمر - لصفو الانتصار الكبير ؛ عندما انقض بعض المشركين على
المسلمين بعد نزول تلكم الصحابة من على جبل الرماة ؛ هل يقول مجنون ناهيك أن يكون القائل
عاقلاً : أن المسلمين انهزموا وخسروا ولم ينجحوا في تلك المعركة ؟!
أعود
لموضوعنا :
تعقيب
على لفظة : "نجاح الحج" ؛ فأنا لي تحفظ في استعمال كلمة "نجاح" حج عام
كذا ؛ لأن النجاح لا يأتي إلا بعد امتحان واختبار ، أما تنظيم الحج من قِبَل دولة
"التوحيد والسنة" العريقة ؛ فلا تُختبر في هذا المجال أبداً وهي الدولة الوحيدة التي تنظم كل عام أكبر وأوسع اجتماع عالمي على الإطلاق وتخرج منه بشاهدة الشهود من أنحاء العالم مسلمهم وكافرهم بالتحقيق الإجابي ، بينما مؤتمرات واجتماعات نادرة تحدث في العالم لا تأتي بمعشار اجتماع الحج ؛ لا يستطيعون تنظيمه على الوجه الصحيح ، وإذا تم فهنا نقول : إنه "ناجح" باعتبار أنه حدث مرة واحدة في هذه الدولة أو تلك فهو اختبار لقدراتها .
أما في حق دولتنا "الحكومة السعودية" فالصواب
أن يقال في ختام "خطة الحج" ورجوع الحجاج إلى بلادهم :
تمَّ الحج في يُسْرٍ وسهولة والحمد لله .
فالنجاح
على مدار أكثر من ثمانين عاماً والحكومة "السعودية" تنظم الحج وكل عام أفضل
من ذي قبل ، والتطور في خدمة الحجيج يتقدم عاماً بعد عام ؛ من توسعة للحرمين
الشريفين وتنظيم الأماكن في المشاعر المقدسة وانشاء جسور الجمرات والقطار ..
فلو
نظرنا بمنظور من ربط نجاح حج هذا العام 1437هـ بقلة الحجاج ؛ فنقول لهم رويدكم لا
تحكمون بالتحزير ، ولكننا نحكم بالأرقام ، فحج هذا العام الإحصائية الرسمية للحجاج
هو "مليون وثمانمئة وثلاثة وستون (1,863,000) حاجاً" .
بينما
زاد عدد حجاج عام 1433هـ عن "ثلاثة ملايين (3,000,000) حاج" حسب
الإحصائية الرسمية ، وكان حجاً ميسراً ، وتنظيماً بارعاً رائعاً بكل المقاييس مع
وجود الحجاج "الإيرانيين" والذي بلغ تِعدادهم ذلك العام نحو "72 ألف" ، وكما قلنا الحوادث
الجزئية لا تضر في النجاح العام ولا يُقال في ذلك : فشل .
ومع
هذا لم يستطيع "الرافضة" عمل شيء ، فقد خذلهم الله وأذلهم ؛ فضلاً منه
وكرماً ، ثم بجهود الحكومة "السعودية" ويقظة رجال الأمن بمختلف القطاعات
والرتب والمراتب .
أقول
في الختام :
لو
أستطاعت "إيران" أن تعمل شيئاً تخريبياً في حج هذا العام 1437هـ مع عدم
وجود حجاج رسميين لها ؛ لعملته ؛ لأنها ترغب في ذلك وأذنابها ومستأجَريها موجودين ،
ولكنها لم تستطع لأن حكومتنا حفظها الله ورعاها قامت بحماية الإسلام والمسلمين في
كل بقاع العالم ، فحاصرت "إيران –الرافضة-" من جميع الجهات والاتجاهات ،
فأذلتها بين الدول والشعوب ؛ سواء بالعمل الميداني ، أو الإعلامي ، أو الاقتصادي ،
أو الحربي .
فلله
الحمد والمِنّة ونسأله المزيد من فضله وتوفيقه . ]قُلْ
مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ[ .
كتبه
/
أبو
فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
السبت
16 / 12 / 1437هـ حسب تقويم أم القرى .