فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
ومعنى الصلاة عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ :
"يَا
رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ ؛ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ
مِنْ صَلَاتِي ؟ فَقَالَ : (مَا شِئْتَ) قُلْتُ : الرُّبُعَ ؟ قَالَ :
(مَا
شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) . قُلْتُ : النِّصْفَ ؟ قَالَ :
(مَا
شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) . قُلْتُ : فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ
:
(مَا
شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) .
قُلْتُ
: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ :
(إِذاً
؛ تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ)" .
رَوَاهُ
التِّرْمِذِيّ (2457) وقَالَ : "حديثٌ حسنٌ صحيح" .
انظر
"صحيح الترغيب" (1670) وقال الألباني : "حسن صحيح" .
معنى الحديث :
معنى (الصَّلَاةُ) فِي اللَّغة : الدعاءُ
، وكلُّ داعٍ فَهُوَ مُصَلّ . وسُمَيّت العبادةُ المخصُوصة "صَلَاة" بِبَعْضِ
أجْزَائِها لِما فِيهَا مِنَ الدُّعاءِ والاسْتِغْفارِ .
وفي الحديث ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى
طَعَامٍ ؛ فَلْيُجِبْ ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِراً ؛ فَلْيَأْكُلْ ، وَإِنْ كَانَ
صَائِماً ؛ فَلْيُصَلِّ) . أيْ : فَلْيَدْعُ .
"الصحيحة" (1343) ، و "صحيح
الجامع" (539) .
ويؤيده
ويُفسِّره لفظ الطبراني في "الكبير" : (فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ) .
وقال عنه الألباني في "الإرواء" تحت حديث (1953) ، و "صحيح الجامع (538)
: "صحيح" .
والأدلة
من القرآن والسنة كثيرة في أن معنى ؛ "الصلاة" : الدعاء والاستغفار والثناء
.
قوله في حديث الترجمة : (أُكْثِرُ
الصَّلَاةَ عَلَيْكَ) ؛ أي : أُكثِر الدُّعَاء .
وَ (كَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي)
؛ أَيْ : كَمْ أَجْعَلُ بَدَلَ دُعَائِي الَّذِي أَدْعُو بِهِ لِنَفْسِي ؟
وقولُه : (أَجْعَلُ لَكَ : الرُّبُعَ -
النِّصْفَ - الثُّلُثَيْنِ -) ؛ أي : أَجْعَلَ أَوْقَاتِ دُعَائِي –
هذه - لِنَفْسِي
؛ مَصْرُوفاً لِلصَّلَاةِ عَلَيْكَ ؟
وَ (أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا) ؛
أَيْ : أَصْرِفُ بِصَلَاتِي عَلَيْكَ جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي كُنْتُ أَدْعُو
فِيهِ لِنَفْسِي ، وأُصَلِّي عَلَيْكَ بَدَلَ مَا أَدْعُو بِهِ لِنَفْسِي في صَلَاتِي مِنَ اللَّيْلِ .
وَقولُه (تُكْفَى هَمَّكَ) ؛ أيْ : إِذَا
صَرَفْتَ جَمِيعَ زَمَانِ دُعَائِكَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيَّ ؛ كُفِيتَ مَا
يَهُمُّكَ مِنْ أَمْرِ دِينِكَ وَدُنْيَاكَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ
عَلَيْهِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، وَتَعْظِيمِ الرَّسُولِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالِاشْتِغَالِ بِأَدَاءِ حَقِّهِ عَنْ أَدَاءِ
مَقَاصِدِ نَفْسِهِ ، وَإِيثَارِهِ بِالدُّعَاءِ عَلَى نَفْسِهِ ؛ مَا أَعْظَمَهُ
مِنْ خِلَالٍ جَلِيلَةِ الْأَخْطَارِ ، وَأَعْمَالٍ كَرِيمَةِ الْآثَارِ .
استفدته أو بعضه من كلام العلامة
القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (حديث : 929) .
فائدة :
نقل الحافظ ابن حجر في
"الفتح" (11 /168) عن ابن عَبْدِ السَّلَامِ قولُه :
"لَيْسَتْ صَلَاتُنَا عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاعَةً لَهُ فَإِنَّ مِثْلَنَا
لاَ يَشْفَعُ لِمِثْلِهِ ؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِمُكَافَأَةِ مَنْ أَحْسَنَ
إِلَيْنَا ، فَإِنْ عَجَزْنَا عَنْهَا ؛ كَافَأْنَاهُ بِالدُّعَاءِ .
فَأَرْشَدَنَا
اللَّهُ لِمَا عَلِمَ عَجْزَنَا عَنْ مُكَافَأَةِ نَبِيِّنَا : إِلَى الصَّلَاةِ
عَلَيْهِ .
وَقَالَ ابن الْعَرَبِيِّ : فَائِدَةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ تَرْجِعُ إِلَى
الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ ؛ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى نُصُوعِ الْعَقِيدَةِ
، وَخُلُوصِ النِّيَّةِ ، وَإِظْهَارِ الْمَحَبَّةِ ، وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الطَّاعَةِ
، وَالِاحْتِرَامِ لِلْوَاسِطَةِ الْكَرِيمَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
.
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ مَنْ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ
عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالرَّغْمِ وَالْإِبْعَادِ
وَالشَّقَاءِ وَالْوَصْفِ بِالْبُخْلِ وَالْجَفَاءِ يَقْتَضِي الْوَعِيدَ
؛ وَالْوَعِيدُ عَلَى التَّرْكِ مِنْ عَلَامَاتِ الْوُجُوبِ .
وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى
؛ أَنَّ فَائِدَةَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ : مُكَافَأَتُهُ عَلَى إِحْسَانِهِ
وَإِحْسَانُهُ مُسْتَمِرٌّ ، فَيَتَأَكَّدُ إِذَا ذُكِرَ وَتَمَسَّكُوا أَيْضاً
بِقَوْلِهِ : {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ
بَعْضًا} ، فَلَوْ كَانَ إِذَا ذُكِرَ لاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ ؛ لَكَانَ كَآحَادِ
النَّاسِ" .
والله أعلم .
كتبه /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
الاثنين : 20 / 12 / 1435هـ