عن الحسن -رحمه الله- أن عمر -رضي الله عنه- كان يقول:
"اللّهُمّ اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه
شيئًا". {رواه أحمد في "الزهد" (118)}



السبت، 28 مايو 2016

حِدَادُ المرأة وعدتها على زوجها المتوفى ما لها وما عليها ؛ التزميها حتى لا تكون عليكِ الألْسُن حِدَاد




حِدَادُ المرأة وعدتها على زوجها المتوفى ما لها وما عليها ؛
التزميها حتى لا تكون عليكِ الألْسُن حِدَاد


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين .
أما بعد:
فهذه مختصرات في عِدة المتوفى عنها زوجها .

أولاً : مدة عِدَّة المتوفى عنها زوجها :

1) عِدَّة الغير حامل : تبدأ حسابها عدَّتها من يوم موت زوجها سواءً علمت في يومه أو علمت بعد حين صغيرة كانت أو كبيرة وسواء دخل بها أم لم يدخل بها ؛ ما لم تكن حاملاً .
قَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } [البقرة : 234] .

وفي الحديث عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَزَيْنَبَ بِنْتِ جحش عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) .
رواه البخاري (1221، 1222) ، ومسلم (1487) .

2) عِدَّة الحامل المتوفى عنها زوجها : ليس له عدد أيام ولا شهور ولا طُهرٍ ولا قُرْء ، إنما ضابطه حتى تضع حملها سواء بعد ساعة أو بعد شهور من وفاة زوجها ، قَالَ تَعَالَى : {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] .

ثانياً : يبدأ حداد المرأة على زوجها على الفور من وقت ما علمت بوفاة زوجها .

ثالثاً : تعتد وتحِدّ في البيت الذي تسكنه عندما بلغها خبر وفاة زوجها سواء مُلكاً أو إجاراً ، ولا تخرج من البيت .

عَن زَيْنَب بنت كَعْب أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَتْهَا :
"أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا فَقَتَلُوهُ ؟ قَالَتْ : فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَنْزِلٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ ؟ فَقَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (نَعَمْ) .
فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ دَعَانِي فَقَالَ : (امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) .
قَالَتْ : فَأَعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً .
قَالَتْ : فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ ؟ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَ ذَلِكَ وَقَضَى بِهِ" .

رَوَاهُ مَالِكٌ رواية الليثي (2 / 461 / 87) تح. عبد الباقي ورواية أبي مصعب (1 / 657 / 1707) ورواية الشيباني (ص 202 / 593) ، وَالدَّارِمِيُّ (2 / 221 / 2287) ، وَأَبُو دَاوُدَ (2300) ، وَالتِّرْمِذِيُّ (1204) ، وابن حبان (4278) ، وغيرهم . وصححه الألباني . وقال في "الضعيفة" (12 / 206- 207) إثباتاً لتراجعه عن تضعيفه في "الإرواء" :
"وقد صح حديث فريعة المعروف في (السنن) – وذكره ، ثم قال - : (تنبيه هام) : كنت ذهبت في الإرواء إلى أن إسناد حديث فريعة ضعيف ، ثم بدا لي أنه صحيح بعد أن اطلعت على كلام ابن القيم فيه، وتحقيق أنه صحيح ، بما لم أره لغيره جزاه الله خيراً" .


رابعاً : المـُحِدّة على زوجها المتوفى لا تخرج للحج قبل انقضاء العِدّة .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ : "كَانَ يَرُدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنَ الْبَيْدَاءِ ، يَمْنَعُهُنَّ الْحَجَّ" .
وفي لفظ :
"تُوُفِّيَ أَزْوَاجُ نِسْوَةٍ وَهُنَّ حَاجَّاتٌ أَوْ مُعْتَمِرَاتٌ ، فَرَدَّهُنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ يَعْتَدُّونَ فِي بُيُوتِهِنَّ" .
رَوَاهُ مَالِكٌ رواية الليثي (2 / 461 / 88) تح. عبد الباقي ، ورواية أبي مصعب (1 / 658 / 1708) ورواية الشيباني (ص 197 / 583) ، وعبد الرزاق (7 / 33 / 12071، 12072) ، وسعيد بن منصور في " سننه " (1343، 1344) الأعظمي ، وابن أبي شيبة (4 / 182) الهند وأخرجه قبل في كتاب : الحج . باب : من كره لها أن تحج في عدتها ، والبيهقي في "الكبرى" (7/435) .
وقال الألباني : "قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات على الخلاف في سماع سعيد من عمر" . "الإرواء" (7 / 207 / 2132) .


خامساً : المـُحِدّة تخرج من بيتها نهاراً للحاجة والضرورة ، وتعود قبل مغيب الشمس للمبيت في بيتها .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
"طُلِّقَتْ خَالَتِي ، فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا ، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : (بَلَى ، فَجُدِّي نَخْلَكِ ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي ، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفاً)" .
رواه أحمد (3 / 321) ، ومسلم (1483) ، وأبو داود (2297) . وصححه الألباني .
قوله في الحديث : ( فَجُدِّي ) ؛ أَيْ : اقطعي ، مِن "الجِداد" بالفتح والكسر : صِرام النخل ، وقطع ثمرتها .

ومن كان في حكمها كمن هي موظفة تضطر للخروج لعملها ، أو لسوق لقضاء حوائجها ، أو لمستشفى ؛ شرط أن يكون نهاراً ، مع اجتناب "الزينة ، والطيب ، والحلي ؛ كما سيأتي .

سادساً : المُحدة على زوجٍ ينبغي أن تجتنب الآتي وتحذر من الوقوع فيه :
1) لبس الملابس الجميلة والجذابة سواء في اللون أو في الشكل كالضيِّق والقصير والبنطال .

2) لبس الحلي من : "ذهب وفضة وألماس" ونحو ذلك مما تتحلى به المرأة سواء في رقبتها أو رجلها أو عضدها وغير ذلك من أعضاء جسمها الزينة الظاهرة؛ ومنها "الساعة" في اليد ؛ لأنها للتجمل.

3) تجتنب الاكتحال والخضاب بالحناء ونحوه من الصبغات المعروفة اليوم ، وفي حكم الاكتحال والحناء ؛ مساحيق التجميل من : حُمْر الشِّفاة والبودرة والمكياج والكحل الصناعي وطلاء الأظافر ونحو ذلك ؛ لأن كله من الفتنة ودواعي لفت أنظار الرجال إليها .

4) اجتناب مس الطيب - بخوراً أو غيره - والعطور وكل الروائح الزكية كدهن العود والورد والياسمين وأشباهها ، وكذلك الدهون والكريمات سواء في بدنها أو ملابسها ، وزيوت الشعر التي فيها عطور والشامبو داخل في ذلك ؛ وهو بلا شك من دواعي افتتان الرجال .

ودليل تلك النقاط الأربع حديث أُمّ عطيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ... وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْباً مَصْبُوغاً إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ ، وَلاَ تكتحِلُ ، وَلاَ تَمَسُّ طِيباً ..) . رواه البخاري (5028) ، ومسلم (938) .

5) الخِطبة صراحة ، والتحدث عن الزواج ، وتُذكر الخطبة من الرجال تلميحاً لا بأس ، قَالَ تَعَالَى : {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235] .
"يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ : وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ الْمُعْتَدَّاتِ، مِنْ وَفَاةِ أَزْوَاجِهِنَّ فِي عَدَدِهِنَّ ، وَلَمْ تُصَرِّحُوا بِعَقْدِ نِكَاحٍ". "تفسير الطبري" .

ويُستثنى من ذلك للمُحدَّة ويجوز لها فعله :

1) الاغتسال والتنظف بالسدر والصابون دون المعطر ؛ سواء للتنظّف أو للتبريد .

2) لها أن تمس شيئاً من البخور أو الطيب بعد طهرها من حيضتها ، ليس مقصود التطيب ؛ وإنما لإزالة رائحة دم الحيض ؛ لحديث أُمِّ عطيَّةَ – السابق - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( .. وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْباً مَصْبُوغاً ، إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ ، وَلَا تَكْتَحِلُ ، وَلَا تَمَسُّ طِيباً ، إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ ؛ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ ) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البخاري : "القُسْطُ وَالكُسْتُ مِثْلُ الكَافُورِ وَالقَافُورِ" .

قلتُ : "(الْعَصْبُ) بِعَيْنٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ صَادٍ سَاكِنَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ : بُرُودُ الْيَمَنِ ، يُعْصَبُ غَزْلُهَا ثُمَّ يُصْبَغُ مَعْصُوباً ثُمَّ تُنْسَجُ ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ :
النَّهْيُ عَنْ جَمِيعِ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ لِلزِّينَةِ إِلَّا ثَوْبَ الْعَصْبِ . قَالَ ابن الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَادَّةِ لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُعَصْفَرَةِ وَالْمُصَبَّغَةِ .
(النُّبْذَةُ) بِضَمِّ النُّونِ : الْقِطْعَةُ وَالشَّيْءُ الْيَسِيرُ ، وَالْقُسْطُ وَالْأَظْفَارُ : نَوْعَانِ مَعْرُوفَانِ مِنَ الْبَخُورِ ؛ وَلَيْسَا مِنْ مَقْصُودِ الطَّيِبِ ؛ رَخَّصَ فِيهِ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ تَتْبَعُ بِهِ أَثَرَ الدَّمِ لَا لِلتَّطَيُّبِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ" . انتهى .
"شرح مسلم" (10 / 118) للنووي .

3) لها أن تتجول وتمشي في فناء وحديقة دارها ليلاً أو نهاراً ، وعلى سطح بيتها ، ما لم يكن هناك رجال أجانب .

4) لها أن تتحدث في الهاتف ومع الرجال الأجانب إذا دعت الحاجة والضرورة كاستفتاءٍ ونحوه ؛ دون تكسر في الكلام ولا خضوع في القول ؛ إذا أمنت الفتنة .


من المخالفات الشرعية والاعتقادات الباطلة :

1) تعيين وتخصيص لون معين تلبسه المحدة من الملابس المتوفى عنها زوجها طوال مدة العِدّة لا ترى غيره ؛ كلون أسود أو أبيض أو أخض ونحو ذلك .
2) الالتزام بتغطية الرأس في البيت طوال فترة العدة مع عدم وجود رجال أجانب .
3) عدم الاغتسال والتنظف .
4) الالتزام بالاغتسال ، ونقض شعر الرأس كل أسبوع .
5) عدم أكل طعام معين أو فاكهة معينة .
6) الإحداد لمدة سنة ونحوها .
7) عدم الجلوس أو النوم على فراش أثناء مدة الحداد .
8) الامتناع عن الكلام والتحدث إلى الآخرين فترة العدة أو بعضها .
9) أن لا تخرج بعد انقضاء العدة من بيتها إلا بصدقة في يدها تعطيها من تجده في طريقها أولاً .
10) عمل وجبة طعام عند انقضاء العدة .
11) ترك الزينة بعد انقضاء مدة العِدة تحزّناً على وفاة الزوج .

والله أعلم .

كتبه /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .

 6 / 3 / 1435ه