عن الحسن -رحمه الله- أن عمر -رضي الله عنه- كان يقول:
"اللّهُمّ اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه
شيئًا". {رواه أحمد في "الزهد" (118)}



الثلاثاء، 17 مايو 2016

{ الخلافُ شرٌّ ونقمة }



{ الخلافُ شرٌّ ونقمة }

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدِ اخْتَلَفْتُمْ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ، فَأَنْتُمْ بَعْدِي أَشَدُّ اخْتِلَافاً ) . 

            "الصحيحة" (3256) .

 { مناسبة الحديث } :
عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ أَنَّهُ سَمِعَ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَّأَ لِابْنِ صَائِدٍ دُخَاناً ، فَسَأَلَهُ عَمَّا خَبَّأَ لَهُ ؟ فَقَالَ : دُخْ . فَقَالَ :
(اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ) . فَلَمَّا وَلَّى ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(مَا قَالَ ؟) .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : دُخْ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ قَالَ : زُخْ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : . . . (فَذَكَرَهُ)" .


{ قَالَ شيخُنا الألباني (7 / الثاني /772- 773) } :

واعلم أن أحاديث ابن صياد وسؤال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه عن ( الدخان ) وعجزه عن الجواب كثيرة ، وبعضها في "الصحيح" و "السنن" ، فانظر : "المشكاة" (5494) ، و "صحيح سنن أبي داود" (الملاحم) ، وليس هذا فيها ، وإنما خرجته هنا لأمرين :

       الأول : لما فيه من الزيادة عليها من سؤاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه عما قال ابن صياد ، ورده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم بقوله : (قَدِ اخْتَلَفْتُمْ . . .) .

       والآخر : أنني أردت أن أُذَكِّرَ به أولئك الغافلين الذين يَنْسبون إلى الدين ما ليس منه ، فيقولون : إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : "اختلاف أمتي رحمة" أو : "اختلاف أصحابي لكم رحمة" ، وغير ذلك مما بينت وضعه في محله ، ولهذا فهم يقرون الاختلاف الشديد بين المذاهب ويتخذونه ديناً ، خلافاً للكتاب والسنة كما بينه العلماء - رحمهم الله تعالى - ، ويغلو بعض أولئك فيزعم أن لكل قول من تلك الأقوال المتناقضة دليلاً من السنة ؛ كخروج الدم مثلاً ، فيتخيلون أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل مرة عنه ، فأجاب بأنه ينقص الوضوء ، وسئل مرة أخرى ؛ فأجاب بأنه لا ينقض ! ونحو ذلك من التخيلات التي لا أصل لها في السنة ، وينشدون بهذه المناسبـة قول ( بُوصيريِّهم ) في مدح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
              وكُلُّهم من رسول الله مُلْتمِس            . . . . . . . . . . .
    وغير ذلك من الأقوال التي لم يقلها عالم من قبل .

       فلعل في أولئك الغافلين من يتنبه من غفلته ، ويعود إلى رشده حين يرون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرضى من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم - اختلافهم في تحديد ما قال ابن صياد ؛ هل هو ( الدُّخ ) أو ( الزخ )؟ مع أن مثل هذا الاختلاف ليس له علاقة بالدين مطلقاً كما هو ظاهر ، لعلهم حين ينتبهون لهذا يتبين لهم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرضى منهم الاختلاف في الدين ولا يقره من باب أولى .

       فالحق أن الخلاف - وهو الذي يسميه ابن تيمية - رحمه الله - اختلاف تضاد - إنما هو نقمة وليس برحمة .
       وحسب المسلم البصير في دينه أن يعتذر عن المختلفين بعذر معقول ، ويعتقد بأنهم جميعاً مأجورون على التفصيل الوارد في الحديث .

أما أن يقر الاختلاف نفسه ويدافع عنه ، بدعوى الدفاع عن الأئمة ، كما يعلن ذلك بعضهم في بعض الإذاعات الإسلامية ؛ فذلك من التدليس على الناس ، والخلط بين الحق والباطل . نسأل الله السلامة في ديننا وعقولنا .

انتقاه وقيّده /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .

6 / 1 / 1426هـ