عن الحسن -رحمه الله- أن عمر -رضي الله عنه- كان يقول:
"اللّهُمّ اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه
شيئًا". {رواه أحمد في "الزهد" (118)}



الخميس، 19 مايو 2016

{ كراهة النذر وأنه يستخرج من البخيل }





{ كراهة النذر وأنه يستخرج من البخيل }



قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : لاَ يَأْتِي النَّذْرُ عَلَى ابْنِ آدَمَ بِشَيْءٍ لَمْ أُقَدِّرْهُ عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنَ الْبَخَيلِ ، يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لاَ يُؤْتِينِي عَلَى الْبُخْلِ. "وَفِي رِوَايَةٍ" : مَا لَمْ يَكُنْ أَتَانِي مِنْ قَبْلُ ) .          "الصحيحة" (478) .


     { قَالَ شيخُنا الألباني (1 / الثاني / 860-862) ع. } :

    من فقه الحديث :
       دلَّ الحديث بمجموع ألفاظه أن النَّذرَ لا يُشرع عقده ، بل هو مكروه ، وظاهر النهي في بعض طرقه أنه حرام ، وقد قال به قوم ؛ إلا أن قوله تعالى : (أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنَ الْبَخَيلِ) يشعر أن الكراهة أو الحرمة خاص بنذر المجازاة أو المعاوضة ، دون نذر الابتداء والتبرُّر ، فهو قربة محضة ؛ لأن للناذر فيه غرضاً صحيحاً ، وهو أن يُثاب عليه ثواب الواجب ، وهو فوق ثواب التطوع ، وهذا النـذر هو المراد - والله أعلم - بقوله تعالى : ]يُوفُونَ بِالنَّذْر[ دون الأول .


قال الحافظ في "الفتح" (11 / 500) {ط. الخطيب (11 / 578-579)}.

       "وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله تَعَالَى : ]يُوفُونَ بِالنَّذْرِ[ ؛ قَالَ : كَانُوا يَنْذُرُونَ طَاعَةَ اللَّه مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمِمَّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ ، فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ أَبْرَاراً ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الثَّنَاءَ وَقَعَ فِي غَيْرِ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ" .

    وقال قبل ذلك :
       "وَجَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "الْمُفْهِمِ" بِحَمْلِ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنَ النَّهْيِ عَلَى نَذْرِ الْمُجَازَاةِ ، فَقَالَ : هَذَا النَّهْيُ مَحَلُّهُ أَنْ يَقُولَ مَثَلاً إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي ؛ فَعَلَيَّ صَدَقَةُ كَذَا وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ فِعْلَ الْقُرْبَةِ الْمَذْكُورَ عَلَى حُصُولِ الْغَرَضِ الْمَذْكُورِ ؛ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لَهُ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِمَا صدر مِنْهُ ، بل سلك فِيهَا مَسْلَك الْمُعَاوضَة وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْفِ مَرِيضَهُ ؛ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِمَا عَلَّقَهُ عَلَى شِفَائِهِ ، وَهَذِهِ حَالَةُ الْبَخِيلِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ شَيْئاً إِلَّا بِعِوَضٍ عَاجِلٍ يَزِيدُ عَلَى مَا أَخْرَجَ غَالِباً ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ فِي الحَدِيث بِقَوْلِهِ : (وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنِ الْبَخِيلُ يُخْرِجُهُ) ، وَقَدْ يَنْضَمُّ إِلَى هَذَا اعْتِقَادُ جَاهِلٍ : يَظُنُّ أَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ حُصُولَ ذَلِكَ الْغَرَضِ ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَعَهُ ذَلِكَ الْغَرَضَ لِأَجْلِ ذَلِكَ النَّذْرِ ، وَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ أَيْضاً : (فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئاً) ، وَالْحَالَةُ الْأُولَى تُقَارِبُ الْكُفْرَ ، وَالثَّانِيَةُ خَطَأٌ صَرِيحٌ" .

قال الحافظ :
      "بَلْ تَقْرُبُ مِنَ الْكُفْرِ أَيْضاً ، ثُمَّ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ حَمْلَ النَّهْيِ الْوَارِدِ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْكَرَاهَةِ ، وَقَالَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ الْفَاسِدُ ، فَيَكُونُ إِقْدَامُهُ عَلَى ذَلِكَ مُحَرَّماً ، وَالْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ .
     وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ ، وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ ابن عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّذْرِ ؛ فَإِنَّهَا فِي نَذْرِ الْمُجَازَاةِ" .

    قلت : يريد بالقصة ما أخرجه الحاكم (4 / 304) مِنْ طريقِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ :
     "أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ! إِنَّ ابْنِي كَانَ بِأَرْضِ فَارِسَ فِيمَنْ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ ، وَإِنَّهُ وَقَعَ بِالْبَصْرَةِ طَاعُونٌ شَدِيدٌ ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ ؛ نَذَرْتُ : إِنِ اللَّهُ جَاءَ بِابْنِي أَنْ أَمْشِيَ إِلَى الْكَعْبَةِ ، فَجَاءَ مَرِيضاً ، فَمَاتَ ، فَمَا تَرَى ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَوَلَمْ تُنْهَوْا عَنِ النَّذْرِ ؟! إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (النَّذْرُ لاَ يُقَدِّمُ شَيْئاً وَلَا يُؤَخِّرُهُ ، فَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ) ، أَوْفِ بِنَذْرِكَ" .
       وقال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين" . ووافقه الذهبي .

وبالجملة ؛ ففي الحديث تحذيرٌ للمسلم أن يَقْدِمَ على نذر المجازاة ؛ فعلى الناس أن يعرفوا ذلك حتى لا يقعوا في النهي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ! .        انتهى من "الصحيحة" .


قيّده ونقله /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .

4 / 3 / 1425ه