الصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ عَنِ
الوَالِدِ المُسْلِمِ
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَّا
أَبُوكَ ؛ فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ ، فَصُمْتَ وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ ؛
نَفَعَهُ ذَلِكَ ) .
"الصحيحة" (484) .
"الصحيحة" (484) .
{ مناسبة الحديث } :
عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ابْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا :
"أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ
نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ ، وَأَنَّ هِشَامَ
بْنَ الْعَاصِ نَحَرَ حِصَّتَهُ خَمْسِينَ
بَدَنَةً ، وَأَنَّ عَمْراً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : (فَذَكَرَهُ)" .
{ قَالَ شيخُنا الألباني (1 / الثاني / 873-874) } :
والحديث
دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتها إذا كانا
مسلمين ، ويصل إليهما ثوابها بدون وصية منهما .
ولما كان الولد من سعي الوالدين ؛ فهو
داخل في عموم قوله تعالى : ]وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا
سَعَى[ [النجم
: 39] ؛ فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب ، مما
أورده المجد ابن تيمية في "المنتقى" ؛ كما فعل البعض .
واعلم
أن كل الأحاديث التي في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد ؛ فالاستدلال بها
على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله :
"باب وصول ثواب القُرَب المهداة إلى الموتى" ؛ غير صحيح ، لأن الدعوى
أعم من الدليل ، ولم يأت دليل يدلُّ دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم
أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء ، اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني
في "نيل الأوطار" (4 / 70-78) ، ثم الكاتب في كتابه "أحكام الجنائز
وبدعها" ، ومن ذلك الدعاء للموتى ؛ فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك
وتعالى .
فاحفظ هذا ؛ تنجُ من
الإفراط والتفريط في هذه المسألة .
وخلاصة ذلك : أن للولد أن يتصدَّق
ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه ؛ لأنه من سعيهما ، وليس له ذلك عن
غيرهما ؛ إلا ما خصَّه الدليل مما سبقت الإشارة إليه .
والله أعلم . انتهى من
"الصحيحة" .
قلت : ولإتمام الفائدة :
قال الشيخ في كتـابه "أحكام الجنـائز وبدعها" (ص 219-221) ط.
"المعارف" ، (ص 173-174) ط. "المكتب الإسلامي" :
"قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (4 / 79) {ط. الأولى 1403هـ (4 / 92)}:
"وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ
الْوَلَدِ تَلْحَقُ الْوَالِدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا بِدُونِ وَصِيَّةٍ
مِنْهُمَا ، وَيَصِلُ إلَيْهِمَا ثَوَابُهَا ، فَيُخَصَّصُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ
عُمُومُ قَوْله تَعَالَى : ]وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى[ . وَلَكِنْ لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ إلَّا لُحُوقُ
الصَّدَقَةِ مِنْ الْوَلَدِ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ مِنْ
سَعْيِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى التَّخْصِيصِ ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ
الْوَلَدِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْعُمُومَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ
ثَوَابُهُ إلَى الْمَيِّتِ ، فَيُوقَفُ عَلَيْهَا ، حَتَّى يَأْتِيَ دَلِيلٌ
يَقْتَضِي تَخْصِيصَهَا" .
قلت : وهذا هو الحقُّ الذي تقضيه القواعدُ العلميةُ ، أنَّ الآيةَ على
عمومها وأن ثواب الصدقة وغيرها يصل من الولدِ إلى الوالد ؛ لأنه من سعيه بخلاف غير
الولد .
إذا تذكرت
أن الشرع جعل الولد من كسب الوالد كما في حديث عائشة : {(إِنَّ أَطْيَبَ
مَا أَكَلَ
الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ)} ؛ فليس هو
كسباً لغيره ، والله عَزَّ وَجَلَّ يقول :
]كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ[ ، ويقول : ]لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ[ .
وقد قال الحافظ ابن كثير
في تفسير قوله عَزَّ وَجَلَّ : ]وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى[ :
"أَيْ كَمَا لَا
يُحْمَلُ عَلَيْهِ وِزْرُ غَيْرِهِ ، كَذَلِكَ لَا يُحَصِّلُ مِنَ الْأَجْرِ
إِلَّا مَا كَسَبَ هُوَ لِنَفْسِهِ . وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
اسْتَنْبَطَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَهُ : أَنَّ
الْقِرَاءَةَ لَا يَصِلُ إِهْدَاءُ ثَوَابِهَا إِلَى الْمَوْتَى لِأَنَّهُ لَيْسَ
مِنْ عَمَلِهِمْ وَلَا كَسْبِهِمْ ، وَلِهَذَا لَمْ يَنْدُبْ إِلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ ، وَلَا حَثَّهُمْ عَلَيْهِ ،
وَلَا أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ بِنَصٍّ وَلَا إِيمَاءٍ ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ
عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم ، وَلَوْ كَانَ خَيْراً
لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ ، وَبَابُ الْقُرُبَاتِ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى النُّصُوصِ
وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ وَالْآرَاءِ" .
{"تفسير ابن كثير" [سورة النجم آية : 39] (7 / 440)} .
وقال
العزيز بن عبدالسلام في "الفتاوى" (24 / 2 – عام 1692 ) {في المطبوع ؛ ط.
الأولى 1416هـ ت. كردي (ص 289 / مسألة : 47)} :
"ومن فعل طاعة لله
تعالى ، ثم أهدى ثوابها إلى حي أو ميت ، لم يُنتقل ثوابها إليه ، إذ ]لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى[ فإنْ شَرَعَ في الطاعةِ ناوياً أنْ يقع عن الميت لم يقع عنه ، إلا
فيما استثناه الشرع كالصدقة والصوم والحج" .
وقال
شيخ الإسلام ابن تيميــة رحمه الله تعالى في "الاختيارات العلمية" (ص 54) {ط.
السعيدية (ص 166) ، و ط. ت. الفقي (ص 92)} :
"وَلَمْ يَكُنْ مِنْ
عَادَةِ السَّلَفِ إذَا صَلَّوْا تَطَوُّعاً أَوْ صَامُوا تَطَوُّعاً أَوْ حَجُّوا
تَطَوُّعاً ، أَوْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ يُهْدُونَ ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى أَمْوَاتِ
الْمُسْلِمِينَ ، فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْ طَرِيقِ السَّلَفِ فَإِنَّهُ
أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ" . انتهى من "أحكام الجنائز" .
انتقاها
وقيّده /
أبو
فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
19 / 2 / 1425هـ