عن الحسن -رحمه الله- أن عمر -رضي الله عنه- كان يقول:
"اللّهُمّ اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه
شيئًا". {رواه أحمد في "الزهد" (118)}



الأربعاء، 8 يونيو 2016

تنبيه العُبّاد الغافلين من تفويت فضل العمل الحاضر بالعمل بما وقتُه واسع : المسألة الأولى :




تنبيه العُبّاد الغافلين من تفويت فضل العمل الحاضر
بالعمل بما وقتُه واسع


المسألة الأولى :

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( لاَ يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَان وَالْإِقَامَة) .

وجاء بألفاظ : ( إِنَّ الدُّعَاءَ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، فَادْعُوا ) .

( الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ ) .

( الدَّعْوَةُ لَا تُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، فَادْعُوا ) .

( الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَان وَالْإِقَامَة لاَ يُرَدُّ ) .


رَوَاهُ أحمدُ (3 / 119، 155، 225، 254) ، وأَبُو دَاوُد (521) ، وَالتِّرْمِذِيّ (212، 3594، 3595) ، والنسائي في "الكبرى" (6 / 22) ، وابن خزيمة (425، 426) ، وابن حبان (1694) ، والبيهقي في "الكبرى" (1 / 410) .

وقال الترمذي : "حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ" (1 / 415) .
وصححه ابن خزيمة وابن حبان ، وصححه الألباني في كثير من كتبه .


التنبيه :

يُلاحظ أنّ كثيراً من المسلمين بين الأذان والإقامة في المساجد ينشغلون في تلاوة القرآن ؛ ويتركون فرصة الاجتهاد في الدعاء في هذا الوقت الذي تُرجى فيه الإجابة للحديث المذكور .

وقد سمعت لشيخنا بقية السلف معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان كلاماً وتوجيهاً نحو ما ذكرتُ ، وقد لفتَ نظري واستفدتُ التنبيه منه حفظه الله ، وللأسف لا يحضرني الملف الصوتي .


قلتُ : ثم يسر الله لي بعض إخواننا السلفيين من بعث كلام شيخنا مكتوباً ؛ وذلك بعد نحو ثمانية أيام من المقال ؛ وبالتحديد فجر الأربعاء 10 / 9 / 1437هـ ؛ فجزاه الله خيراً .

قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله في شرح الحديث الصحيح :

( الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَان وَالْإِقَامَة لاَ يُرَدُّ ) :

"كثير من الناس يهملون الدعاء بين الأذان والإقامة ، ويشتغلون بتلاوة القرآن ؛ تلاوة القرآن لا شك أنها عمل جليل ؛ ولكن تلاوة القرآن لها وقت آخر .

 كونك تستغل هذا الوقت بالدعاء والذكر ؛ أفضل ؛ لأن الدعاء المقيد في وقته أفضل من الدعاء المطلق، وتلاوة القرآن مطلقة في كل وقت ، وهذا الوقت مخصص للدعاء .

 فكونك تشتغل بالدعاء والذكر والاستغفار ؛ أفضل من تلاوة القرآن في هذا الوقت ، هذا ينبغي أن يُفطن له .." .


"تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام" ( ٦ / ٣٢٦ ) .

بل إن بعضهم ينشغل في الكلام والمزح مع بعضهم البعض في تلك الفترة وكأن المسجد ملتقى لحديث القوم ، ونسوا وتناسوا أنهم في بيت من بيوت الله جاؤوا يعبدون الله ويسألونه فأهملوا ذلك وانشغلوا بما دونه .

نعم . لا يُفهم أننا نمنع من تلاوة القرآن في هذا المقام ، ولكن هو من باب التنبيه لغفلة الكثير والكثير من المسلمين عن الاجتهاد في الدعاء في هذا الموضع والموطن ؛ وهم في حاجة إلى الدعاء ، فيفوتون على أنفسهم الراجح والفاضل ، لاسيما أن أوقات التلاوة واسعة جداً ؛ فيمكن قراءة القرآن في أي وقت .

فعلى أقل تقدير أن تجعل  يا عبدالله للدعاء حظاً أوفر فيما بين الأذان والإقامة .

فائدة :
لا يلزم أن تكون بين الأذان والإقامة في صلاة ؛ لأن الحديث لم يقيد بل أطلق ؛ حتى أنت في البيت أو في العمل أو تمشي إلى المسجد ؛ فلا تفوت فرصة الدعاء في هذا الوقت ، فلفظ الحديث يستفاد منه : دوام الاستجابة حتى الإقامة ؛ وهو ظاهر الحديث ولا يُفهم غيره .

قلتُ : وتكون الإجابة أرجى إذا كنت يا عبدالله في المسجد تنتظر الصلاة لأنك في صلاة منها وأنت خارج المسجد ، فكيف بك إذا كنت صائماً وفي رمضان وقائماً تصلي حينها ؟!


قال عبد المحسن العباد محدث المدينة في شرح الحديث :

" يعني أنه – أي : الدعاء - يقبل ، وأن ذلك من أسباب قبول الدعاء أو من الأوقات التي يقبل فيها الدعاء ، وذلك أن الإنسان عندما يكون بين الأذان والإقامة ينتظر الصلاة هو في صلاة وفي عبادة وفي إقبال على الله عز وجل ؛ وبُعُدَ عن مشاغل الدنيا والحديث فيها والتعلق بها ، فيكون ذلك من الأوقات التي يقبل فيها الدعاء ، ويرجى فيها قبول الدعاء" .
"شرح سنن أبي داود" 72 / 19) عن "الشاملة" .


ومن فقه العلماء أنهم بوّبوا على الحديث ما يُبين أهمية الدعاء بين الأذان والإقامة :

قال ابن حبان: "ذِكْرُ اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنَ الدُّعَاءِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إِذِ الدُّعَاءُ بَيْنَهُمَا لَا يُرَدُّ".

وبوب له النسائيُّ في "الكبرى" فقال : "التَّرْغِيبُ فِي الدُّعَاءِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ" .

وقال في "عمل اليوم والليلة" : "التَّرْغِيب فِي الدُّعَاء بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة" .

وقال ابنُ خزيمةَ : "بَابُ اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ غَيْرَ مَرْدُودَةٍ بَيْنَهُمَا" .

فينبغي أن لا يُفوِّت المسلم على نفسه هذه الفرصة ويشتغل بالمفضول عن ذلك .

قال المظهر : "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة ؛ لشرف ذلك الوقت ، وإذا كان الوقت أشرف ؛ كان ثواب العبادة أكثر" .
"ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (8 / 352) لمحمد بن علي بن آدم الإثيوبي .


والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .


كتبه /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .

2 / رمضان / 1437ه