عن الحسن -رحمه الله- أن عمر -رضي الله عنه- كان يقول:
"اللّهُمّ اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه
شيئًا". {رواه أحمد في "الزهد" (118)}



الثلاثاء، 14 يونيو 2016

تحريم المبــادرة إلى صلاة السنة بعد الفريضــة دون تكلمٍ أو تحَوُّلٍ من المكان






{ تحريم المبــادرة إلى صلاة السنة بعد الفريضــة
دون تكلمٍ أو تحَوُّلٍ من المكان ،

و

جواز التنفل بعد العصر قَبلَ اصْفِرَارِ الشّمْسِ }



 قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَحْسَنَ ابْنُ الْخَطَّابِ )  .   "الصحيحة" (2549) .



 { مناسبة الحديث } :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ ، فَقَامَ رَجُلٌ يُصَلِّي ، فَرَآهُ عُمَرُ ، فَقَالَ لَهُ : اجْلِسْ ، فَإِنَّمَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِصَلَاتِهِمْ فَصْلٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فَذَكَرَهُ)" . 


{ قَالَ شيخُنا الألباني في "الصحيحة" (6/ الأول /105) } :

والحديث نص في تحريم المبادرة إلى صلاة السنة بعد الفريضة دون تكلم أو خروج ، كما يفعله كثير من الأعاجم وبخاصة منهم الأتراك ، فإننا نراهم في الحرمين الشريفين لا يكادُ الإمام يسلم من الفريضة إلا بادر هؤلاء من هنا وهناك قياماً إلى السنة !
وفي الحديث فائدة أخرى هامة ، وهي جواز الصلاة بعد العصر ، لأنه لو كان غير جائز ، لأنكر ذلك على الرجل أيضاً كما هو ظاهر ، وهو مطابق كما ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين ، ويدل على أن ذلك ليس من خصوصياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وما صح عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : (لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) محمول على ما إذا كانت الشمس مصفرة ، لأحاديث صحت مقيدة بذلك . وقد سبق تخريج بعضها مع الكلام عليها من الناحية الفقهية تحت الحديث ( 200 و 314 ) .


     { وتكرر حديث الترجمة في "الصحيحة" برقم (3173) بلفظ (صَدَقَ) مكان (أَحْسَنَ) واللفظ سيكون لعبد الرزاق في "المصنف" (3973) كما عزاه الشيخ في المتابعة هناك } :

عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيَّ : يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّ النَّبِيَّ e صَلَّى الْعَصْرَ، فَقَامَ رَجُلٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا ، فَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرِدَائِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَقَالَ : اجْلِسْ فَإِنَّمَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ قَبْلَكُمْ ؛ لَمْ يَكُنْ لِصَلَاتِهِمْ فَصَلٌ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (صَدَقَ ابْنُ الْخَطَّابِ ) .


{ قَالَ شيخُنا (7/ الأول/ 524-526) } :


       وفي الحديث فائدتان هامتان :

       الأولى : أنه لا بد من الفصل بين الفريضة والنافلة التي بعدها ، إما بالكلام أو بالتحول من المكان ، وفي ذلك أحاديث صحيحة أحدها في "صحيح مسلم" من حديث معـاوية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وهو مخرج في "الإرواء" (2/190/344) و "صحيح أبي داود" (1034) ، وفيه أحاديث أخرى برقم (631 و 922) ، ولذلك ؛ تكاثرت الآثار عن السلف بالعمل بها ، وقد روى الكثيرَ الطيب منها عبد الرزاق في "المصنف" (2/ 416-418) ، وكذا ابن أبي شيبة (2/138-139) {ط. الهند} ، والبيهقي في "سننه" {"الكبرى" (2/190-191)} ، فما يفعله اليوم بعض المصلين في بعض البلاد من تبادلهم أماكنهم حين قيامهم إلى السنة البعدية : هو من التحول المذكور ، وقد فعله السلف ، فروى ابن أبي شيبة عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ : "صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ ، فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلَاتِي ؛ أَخَذَ بِيَدِي ، فَقَامَ فِي مَقَامِي ، وَأَقَامَنِي فِي مَقَامِهِ" . وسنده صحيح .
    وروى نحوه عن أبي مِجْلَزٍ وصفوان بن مُحرِزٍ .


       والفائدة الأخرى : جواز التطوع بعد صلاة العصر ؛ لإقرار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثم عمر الرجلَ على الصـلاة بعدها ، مع أنه أنكر عليه ترك الفصل وصوّبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك ، فدل ذلك على جواز الصلاة بعد العصر دون الوصل ، وقد جاء ما يدل على الجواز من فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : (أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  كَانَ لاَ يَدَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ) . رواه الشيخان وغيرهما ، وهو مخرج في "الإرواء" (2/188-189) من طرق عنها ، ويأتي طريق آخر عقب هذا .

    وقد ثبت العمل به عن جماعة من السلف رَضِيَ اللهُ عَنْهُم كما يأتي .


       فإن قيل : كيف يصح الاستدلال بهذا الإقرار من عمر ، وقد صح عنه أنه كان يضرب من يصلي الركعتين بعد العصر ؟

والجواب : أن ضَرْبَهُ عليهما إنما كان من باب سد الذريعة ، وخشية أن يتوسع الناس مع الزمن فيصلوهما في وقت الاصفرار المنهي عنه ، وهو المراد بالأحاديث الناهية عن الصلاة بعد العصر نهياً مطلقاً كما سيأتي في الحديث بعده ، وليس لأنه لا يجوز صلاتهما قبل الاصفرار ، ولذلك ؛ لم ينكر على الرجل صلاته بعد العصر مباشرة ، وقد جاء عن عمر نفسه ما يؤكد هذا ، فقال الحافظ في "الفتح" (2/65) :

       " (تَنْبِيهٌ) : رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ [2/431ـ432] مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ [الجهني] سَبَبَ ضَرْبِ عُمَرَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ ، فَقَالَ ... عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ : أنَّ عُمَرَ رَآهُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ رَكَعَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَضَرَبَهُ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ :
     "فَقَالَ عُمَرُ : يَا زَيْدُ ! لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّخِذَهُمَا النَّاسُ سُلَّمًا إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى اللَّيْلِ لَمْ أَضْرِبْ فِيهِمَا" .

     فَلَعَلَّ عُمَرَ كَانَ يَرَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ – {بَعْدَ الْعَصْرِ} - إِنَّمَا هُوَ خَشْيَةَ إِيقَاعِ الصَّلَاةِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، وَهَذَا يُوَافق قَول ابن عمر الْمَاضِي وَمَا نَقَلْنَاهُ عَن ابن الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ نَحْوَ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ، وَجَوَابِ عُمَرَ لَهُ ، وَفِيهِ :
    "وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَكُمْ قَوْمٌ يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ ، حَتَّى يَمُرُّوا بِالسَّاعَةِ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلَّى فِيهَا" . وَهَذَا أَيْضاً يَدُلُّ لِمَا قُلْنَاهُ" .

       قلت : ومثله ما رواه الطحاوي (1/ 180) {في "شرح معاني الآثار" تح. النجار (1/305)} عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : بَعَثَنِي سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بَرِيداً إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَاجَةٍ لَهُ فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لِي:
"لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ , فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتْرُكُوهَا إِلَى غَيْرِهَا" .

       قلت  : يعني إلى وقت الاصفرار المَحَرَّم ، وإسناده صحيح .
       فهذه الآثار تؤكد ما ذكرته من قبل أن نهيه اجتهاد منه سدّاً للذريعة ، فلا ينبغي أن يعارض به إقراره للرجل اتباعاً منه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صلاته بعد العصر ، فضلاً عن معارضة الأحاديث الصحيحة في صلاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الركعتين ، أو معارضتها بالعموم في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) ؛ فإنه يُخَصُّ  بحديث علي الذي صححه الحافظ كما تقدم ويأتي في الحديث التالي .
    وحديث الترجمة تقدم تخريجه برقم (2549) باختصار عمّا هنا .

       ثم وجدت من صحيح حديث عائشة ما يشهد لرواية عبد الرزاق ويؤيدها ، فخرجته في ما يأتي برقم (3488) . انتهى من "الصحيحة" .


..........................

التعليق :

قوله في الفائدة الأولى : "وفي ذلك أحاديث صحيحة أحدها في "صحيح مسلم" من حديث معـاوية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ" .

قلتُ : لا بأس بذكره تقريباً للقارئ وتسهيلاً عليه من البحث عنه ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شَىْءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصَّلاَةِ ، فَقَالَ : نَعَمْ .
صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ ، فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ ، قُمْتُ فِي مَقَامِي ، فَصَلَّيْتُ ، فَلَمَّا دَخَلَ ؛ أَرْسَلَ إِلَىَّ ، فَقَالَ : لاَ تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ ، إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ ؛ فَلاَ تَصِلْهَا بِصَلاَةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ ؛ أَنْ (لاَ تُوصَلَ صَلاَةٌ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ)" . مسلم (883) .

قلتُ : وَ"الْمَقْصُورَة" : "مَقْصُورَةُ الدَّارِ : الْحُجْرَةُ مِنْهَا ، وَمَقْصُورَةُ الْمَسْجِدِ أَيْضاً" . "المصباح" (2/505) .
وَهِيَ حُجرةٌ خاصَّةٌ مُنْفصِلةٌ عَنْ الحُجَرِ فوقَ الطَّبقةِ الأرضية .

( فائدة ) :
قال النووي : "فِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز اِتِّخَاذهَا فِي الْمَسْجِد إِذَا رَآهَا وَلِيّ الْأَمْر مَصْلَحَة قَالُوا : وَأَوَّل مَنْ عَمِلَهَا مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان حِين ضَرَبَهُ الْخَارِجِيّ . قَالَ الْقَاضِي : وَأَجَازَهَا كَثِيرُونَ مِنْ السَّلَف وَصَلُّوا فِيهَا مِنْهُمْ : الْحَسَن ، وَالْقَاسِم بْن مُحَمَّد ، وَسَالِم ، وَغَيْرهمْ" . "شرح مسلم" (6/170) .

قلتُ : و"الْمَقْصُورَة" هي بمثابة ما يُسمى اليوم في "المسجد الحرام والنبوي" بـ"المكبرية" وهي مقصورة على المؤذنين دون الناس ، وأيضاً ؛ هي بمثابة غُرَف الأئمة في المسجدين الشريفين اليوم . والله أعلم .

"وَسُمِّيَتِ المَقْصورةُ : مَقْصُورَةً ؛ لأَنها قُصِرَت عَلَى الإِمام دُونَ النَّاسِ" . "اللسان" (5 / 100) .

وقوله : "من تبادلهم أماكنهم حين قيامهم إلى السنة البعدية : هو من التحول المذكور" . قلتُ : ومن التحول أيضاً : التَّقدُّم أو التَّأخر أو الأخذ يميناً أو شمالاً بعد الفريضة لأداء السنة ؛ لا سيما وجاء النص في ذلك فقد صح الحديث الذي خرجه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (922) وذكره شاهداً لحديث رقم (629) (3/178) . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(أَيَعْجَزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ فِي الصَّلاةِ ؟) . يَعْنِي فِي السُّبْحَةِ .

قوله : " وَهَذَا يُوَافق قَول ابن عمر الْمَاضِي وَمَا نَقَلْنَاهُ عَن ابن الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِ " . قال الشيخ الألباني في الحاشية : "أما ابن عمر فذُكر أن الطبري روى عنه إباحة الصلاة بعد العصر حتى تصفر . وذكر أنه قال به محمد بن سيرين والطبري وابن حزم ، واحتج بحديث عَلِيٍّ : (أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) .
ورواه أبو داود بإسنادٍ صحيح قوي .
وأما ابن المنذر فلم يسبق له ذكر . والله أعلم" . انتهى .


قيّده /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
الأحد 28 / 2 / 1425هـ