{ مشروعية رفع الصوت بالذكر دُبر
الصلاة المكتوبة إذا سلم }
حديث : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ إِذَا سَلَّمَ
قَبْلَ أَنْ يَقُومَ يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ :
(
لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ
الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ
إِلَّا بِاللَّهِ ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [وَ] لاَ نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ
، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ ، وَلَهُ الثَنَاءُ الْحَسَنُ ، لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ؛ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .
"الصحيحة" (3160) .
{ قَالَ شيخُنا في "الصحيحة" (7 / الأول / 453-456)
} :
والحديث أخرجه مسلم ، وأبو عوانة في
"صحيحيهما" وغيرهما ، وزادوا :
(وَكَانَ
رَسُولُ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ) .
وزاد الشافعي في "الأم" (1 / 110) {في
أخرى (1 / 150)} :
"يَقُولُ
بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . . ." إلخ .
وهي بمعنى زيادة مسلم وغيره : (يُهَلِّلُ . .) ؛ أي : يرفع صوته .
ولرفع
الصوت - بهذا الذكر أو بغيره مما ثبت عنه صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَولُ ابْنُ
عَبَّاسٍ : "أَنَّ رَفْعَ
الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَةِ ؛ كَانَ
عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكُنْتُ أَعْلَمُ
إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ" .
رواه الشيخان وأبو عوانة وغيرهم .
وفي رواية :
(كُنْتُ
أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ بِالتَّكْبِيرِ) .
قلت : ورواية التكبير هذه لعلها رواية بالمعنى ،
والمحفوظ الرواية التي قبلهـا : (الذِّكْر) ، فإن الأذكار الواردة في
"الصحيحين" وغيرهما من "السنن" ، و "المسانيد" ، و
"المعاجم" ، وغيرها على كثرتها ، وقد استوعب الحافظ الطبراني جَمعاً
غفيراً منها في "جامع أبواب القول في أدبار الصلوات" من كتابه
"الدعاء" (2 / 1086 - 1136) ، وليس في شيء منها أنه صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكبّر بعد المكتوبة ، حتى ولا في الأذكار
التي حض أمته على أن يقولوها دبر الصلوات ، اللهم إلا حديثاً واحداً في قراءة آية :
]الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً[
الآية ، إلى قوله تعالى : ]وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً[ .
تفرد به الطبراني ، وهو
حديث منكر كما بينته في "الضعيفة" (6317) .
ثم إن الأصل في الأذكار
خفض الصوت فيها ، كما هو المنصوص عليه في الكتاب والسنة إلا ما استثنى ، وبخاصة
إذا كان في الرفع تشويش على مصلٍّ أو ذاكر ، ولا سيما إذا كان بصوت جماعي كما
يفعلون في التهليلات العشر في بعض البلاد العربية ، غير مبالين بقوله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"يا أيُّها الناسُ ! كُلَّكُمْ
يُنَاجِي رَبَّهُ ، فَلاَ يَجْهَرُ
بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي بِالْقِرَاءَةِ ؛ فَتُؤْذُوا الـمُؤْمِنينَ" .
وهو
حديث صحيح ، بوب له ابن خزيمة بقوله (2 / 190) :
"بَابُ الزَّجْرِ عَنِ الْجَهْرِ
بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا تَأَذَّى بِالْجَهْرِ بَعْضُ الْمُصَلِّينَ
غَيْرَ الْجَاهِرِ بِهَا".
ولهذا؛ قال الإمام الشافعي في
"الأم" (1 / 110) – عقب حديث ابن عباس المذكور -:
"وَأَخْتَارُ
لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَنْ يَذْكُرَا اللَّهَ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنْ
الصَّلَاةِ ؛ وَيُخْفِيَانِ الذِّكْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَاماً يُحِبُ أَنْ
يُتَعَلَّمَ مِنْهُ ، فَيَجْهَرَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ قَدْ تُعُلِّمَ مِنْهُ ،
ثُمَّ يُسِرُّ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ U يَقُولُ : ]وَلا
تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا[ [الإسراء : 110] يَعْنِي - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - : الدُّعَاءَ
، (وَلَا تَجْهَرْ) : تَرْفَعْ ، (وَلَا تُخَافِتْ) : حَتَّى لَا تُسْمِعَ نَفْسَك
، وَأَحْسَبُ مَا رَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ تَهْلِيلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ تَكْبِيرِهِ .. إنَّمَا
جَهَرَ قَلِيلاً لِيَتَعَلَّمَ النَّاسُ مِنْهُ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ
الرِّوَايَاتِ الَّتِي كَتَبْنَاهَا - مَعَ هَذَا وَغَيْرِهَا - لَيْسَ يُذْكَرُ
فِيهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَهْلِيلٌ
وَلَا تَكْبِيرٌ ، وَقَدْ يُذْكَرُ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِمَا
وَصَفْتُ ، وَيُذْكَرُ انْصِرَافُهُ بِلَا ذِكْرٍ ، وَذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ
مُكْثَهُ وَلَمْ يُذْكَرْ جَهْراً ، وَأَحْسَبُهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِيَذْكُرَ
ذِكْراً غَيْرَ جَهْرٍ" .
قلت : وهذا غاية في التحقيق والفقه من هذا
الإمام جزاء الله خيراً .
وأقول : وإذا كان من الثابت في السنة أن يجهر
الإمام في الصلاة السرية أحياناً للتعليم كما في "الصحيحين" وغيرهما :
أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسمعهم الآية في صلاة الظهر
والعصر – وهو مخرج في "صحيح أبي داود"
(763)-, وكما صح عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يسمعهم دعاء الاستفتاح:
"سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ... " , قال الأسود بن يزيد :
"يُسْمِعُنَا ذَلِكَ وَيُعَلِّمُنَا" – وهو مخرج في "الإرواء" (2 / 48-49) - .
أقول : فإذا
كان هذا جائزاً ؛ فبالأولى أن يَجُوزَ رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة للغاية نفسها :
التعليم . وهذا ظاهر والحمد لله . انتهى من "الصحيحة" .
نقله وقيّده /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
28 / 3 / 1425ه