عن الحسن -رحمه الله- أن عمر -رضي الله عنه- كان يقول:
"اللّهُمّ اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه
شيئًا". {رواه أحمد في "الزهد" (118)}



السبت، 4 يونيو 2016

مشروعية رفع الصوت بالذكر دُبر الصلاة المكتوبة إذا سلم



{ مشروعية رفع الصوت بالذكر دُبر الصلاة المكتوبة إذا سلم }



حديث : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ إِذَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ :
( لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [وَ] لاَ نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ ، وَلَهُ الثَنَاءُ الْحَسَنُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ؛ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .            
"الصحيحة" (3160) .

{ قَالَ شيخُنا في "الصحيحة" (7 / الأول / 453-456) } :

والحديث أخرجه مسلم ، وأبو عوانة في "صحيحيهما" وغيرهما ، وزادوا :
(وَكَانَ رَسُولُ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ) .

وزاد الشافعي في "الأم" (1 / 110) {في أخرى (1 / 150)} :
"يَقُولُ بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . . ." إلخ .

وهي بمعنى زيادة مسلم وغيره : (يُهَلِّلُ . .) ؛ أي : يرفع صوته .
    ولرفع الصوت - بهذا الذكر أو بغيره مما ثبت عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَولُ ابْنُ عَبَّاسٍ : "أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَةِ ؛ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ" .
رواه الشيخان وأبو عوانة وغيرهم .

    وفي رواية :

    (كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ بِالتَّكْبِيرِ) .


    قلت : ورواية التكبير هذه لعلها رواية بالمعنى ، والمحفوظ الرواية التي قبلهـا : (الذِّكْر) ، فإن الأذكار الواردة في "الصحيحين" وغيرهما من "السنن" ، و "المسانيد" ، و "المعاجم" ، وغيرها على كثرتها ، وقد استوعب الحافظ الطبراني جَمعاً غفيراً منها في "جامع أبواب القول في أدبار الصلوات" من كتابه "الدعاء" (2 / 1086 - 1136) ، وليس في شيء منها أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكبّر بعد المكتوبة ، حتى ولا في الأذكار التي حض أمته على أن يقولوها دبر الصلوات ، اللهم إلا حديثاً واحداً في قراءة آية : ]الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً[ الآية ، إلى قوله تعالى : ]وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً[ .
    تفرد به الطبراني ، وهو حديث منكر كما بينته في "الضعيفة" (6317) .

    ثم إن الأصل في الأذكار خفض الصوت فيها ، كما هو المنصوص عليه في الكتاب والسنة إلا ما استثنى ، وبخاصة إذا كان في الرفع تشويش على مصلٍّ أو ذاكر ، ولا سيما إذا كان بصوت جماعي كما يفعلون في التهليلات العشر في بعض البلاد العربية ، غير مبالين بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

    "يا أيُّها الناسُ ! كُلَّكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ ، فَلاَ يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي بِالْقِرَاءَةِ ؛ فَتُؤْذُوا الـمُؤْمِنينَ" .

وهو حديث صحيح ، بوب له ابن خزيمة بقوله (2 / 190) :
 "بَابُ الزَّجْرِ عَنِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا تَأَذَّى بِالْجَهْرِ بَعْضُ الْمُصَلِّينَ غَيْرَ الْجَاهِرِ بِهَا".
ولهذا؛ قال الإمام الشافعي في "الأم" (1 / 110) – عقب حديث ابن عباس المذكور -:

       "وَأَخْتَارُ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَنْ يَذْكُرَا اللَّهَ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنْ الصَّلَاةِ ؛ وَيُخْفِيَانِ الذِّكْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَاماً يُحِبُ أَنْ يُتَعَلَّمَ مِنْهُ ، فَيَجْهَرَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ قَدْ تُعُلِّمَ مِنْهُ ، ثُمَّ يُسِرُّ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ U يَقُولُ : ]وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا[ [الإسراء : 110] يَعْنِي - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - : الدُّعَاءَ ، (وَلَا تَجْهَرْ) : تَرْفَعْ ، (وَلَا تُخَافِتْ) : حَتَّى لَا تُسْمِعَ نَفْسَك ، وَأَحْسَبُ مَا رَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ تَهْلِيلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ تَكْبِيرِهِ .. إنَّمَا جَهَرَ قَلِيلاً لِيَتَعَلَّمَ النَّاسُ مِنْهُ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي كَتَبْنَاهَا - مَعَ هَذَا وَغَيْرِهَا - لَيْسَ يُذْكَرُ فِيهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَهْلِيلٌ وَلَا تَكْبِيرٌ ، وَقَدْ يُذْكَرُ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِمَا وَصَفْتُ ، وَيُذْكَرُ انْصِرَافُهُ بِلَا ذِكْرٍ ، وَذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُكْثَهُ وَلَمْ يُذْكَرْ جَهْراً ، وَأَحْسَبُهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِيَذْكُرَ ذِكْراً غَيْرَ جَهْرٍ" .

    قلت : وهذا غاية في التحقيق والفقه من هذا الإمام جزاء الله خيراً .
    وأقول : وإذا كان من الثابت في السنة أن يجهر الإمام في الصلاة السرية أحياناً للتعليم كما في "الصحيحين" وغيرهما : أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسمعهم الآية في صلاة الظهر والعصر – وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (763)-, وكما صح عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يسمعهم دعاء الاستفتاح: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ... " , قال الأسود بن يزيد : "يُسْمِعُنَا ذَلِكَ وَيُعَلِّمُنَا" – وهو مخرج في "الإرواء" (2 / 48-49) - .

    أقول : فإذا كان هذا جائزاً ؛ فبالأولى أن يَجُوزَ رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة للغاية نفسها : التعليم . وهذا ظاهر والحمد لله . انتهى من "الصحيحة" .


نقله وقيّده /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
28 / 3 / 1425ه