عن الحسن -رحمه الله- أن عمر -رضي الله عنه- كان يقول:
"اللّهُمّ اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه
شيئًا". {رواه أحمد في "الزهد" (118)}



الجمعة، 15 يوليو 2016

صدقة مهجورة مفقودة



صدقة مهجورة مفقودة


الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
أما بعد :

فقد هجر كثير من المسلمين صدقة لا تكلفهم عناءً في فعلها ولا مَن التبس بها واستصحبها .

ألاَ وهي الابتسامة .
نعم إنها الابتسام وانبساط الوجه في وجه أخيك المسلم التي ترفعك في الدنيا ، وتُدَّخر لك في الآخرة .

إن الابتسامة لا تُكلفك ديناراً ولا درهما ورخيصة جداً ، إلا إنها عظيمة جداً عند الله وعند الخلق إذا بذلتها لهم .

أخرج ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 75)، عَن سَعِيد بْن الخمس قَالَ: قِيلَ له : مَا أبَشَّكَ ! قَالَ : إنه يقوم عليَّ برخيص" .

والمعنى : أن البشاشة لم تكلفني شيئاً فهي رخيصة ؛ فلِمَ لا أهش وأبش ؟


بعد هذه المقدمة الخفيفة انتقل للحديث .


فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيك صَدَقَة) .
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (891) ، والترمذي (1956) ، وابن حبان (474، 529) . وصححه الألباني .

هل استوعبت الابتسامة أيها المسلم التي لم تفارق محيا المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحظة في حياته وفي كل أحواله على اختلاف ظروف حياته ؟

فَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
(مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي) . مُتَّفق عَلَيْهِ .


حتى مع الأعداء وفي مواقف صعبة لا يحتملها أحد ؛ تجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  يبتسم ويضحك في وجه الخصم ]وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ[ .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
"كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً ، نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ ، مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَضَحِكَ [فَتَبَسَّمَ] ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ)" .
رواه أحمد (3 / 153، 224) ، ومسلم (1057) .

فكن أيها المسلم مقتدياً بنبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .


حتى في مرض موته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي ذلك الموقف والحال المحزن والذي يصعب جداً أن ترى شخصاً مبتسماً فيه ؛ إلا عند الرحمة المهدة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَمَا هُمْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِهِمْ ، لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ ؛ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ ، ثُمَّ تَبَسَّمَ فَضَحِكَ ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَقَالَ أَنَسٌ: وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ) .
أخرجه البزار "البحر الزخار" (12 / 358 / 6266) ، وابن خزيمة (867، 1650) ، وابن حبان (6620) . وصححه الألباني .


وابسط وجهك يا مسلم بالبشاشة والبِشْر في وجه أخيك المسلم فإن ذلك من الصدقة والمعروف الذي تُؤجر عليه يا عبد الله !

عَنْ أَبِي جُرَىٍّ سُلَيْمِ بْنِ جَابِرِ الْهُجَيْمِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
"أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ، فَعَلِّمْنَا شَيْئاً يَنْفَعُنَا اللهُ بِهِ ، قَالَ :
(لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً ، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي ، وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ ..) الحديث .

أخرجه أحمد (5 / 63) ، وأبو داود (4084) وغيرهما . وصححه الألباني وغيره .


وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) .

رواه أحمد (3 / 344، 360) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (304) ، والترمذي (1970) . وحسنه الألباني .

ومعنى (طَلْقٍ) في الحديث؛ فسرها الحديث الآخر: (وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ) .


قلتُ : وأولى الناس بابتسامتك يا عبدالله أهل بيتك من والدين وزوجة وأولاد .

فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ : كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَلا فِي بَيْتِهِ [أَهْلِهِ] ؟ قَالَتْ :

"كَانَ أَلْيَنَ النَّاسِ، وَأَكْرَمَ النَّاسِ. وَكَانَ رَجُلاً مِنْ رِجَالِكُمْ ؛ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ ضَحَّاكاً بَسَّاماً" .

أخرجه ابن سعد (1/ 365) ط. صابر ، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (ص 120 / 397) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (3 / 383) .

وانظر: "البداية والنهاية" (6/ 52) ط. التراث ، و"الفتح" (10/ 461) .
وضعفه الألباني وغيره انظر "الضعيفة" (4185) ، و "ضعيف الجامع" (4386) .

ولكن معناه صحيح ، فإنّ خُلق النبي مع أزواجه جاءت بها أحاديث كثيرة تحكي شمائله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهن رَضِيَ اللهُ عَنْهُنّ .


قلتُ : ويأخذ من الأحاديث أن أَوْلَى الخَلْق بالاقتداء بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم العلماء ورثة الأنبياء ، وقدوة الناس بعد الأنبياء والرُّسُل عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ .

قال أَبُو حاتم :
"البشاشة إدام العلماء ، وسجية الحكماء ؛ لأن البشر ؛ يطفيء نار المعاندة ، ويحرق هيجان المباغضة ، وفيه تحصين من الباغي ، ومنجاة من الساعي ، ومن بش للناس وجها ؛ لم يكن عندهم بدون الباذل لهم مَا يملك" .

وقال أيضاً :
"الواجب على المسلم إذا لقي أخاه المسلم : أن يسلم عَلَيْهِ متبسماً إليه ؛ فإن من فعل ذلك ؛ تحات عنهما خطاياهما كما تحات ورق الشجر في الشتاء إذا يبس ، وقد استحق المحبة من أعطاهم بشر وجهه" .
"روضة العقلاء" (ص 75) لابن حبان .


عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ :
"الْمُرُوءَةُ : طلاقة الوجة ، والتودد إِلَى النَّاسِ ، وَقَضَاءُ الْحَوَائِجِ" .

"المروءة" (86) لابن المرزبان .


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .


كتبه /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .

الجمعة : 10 / 10 / 1437هـ .