رسالة إلى المشايخ والدعاة وطلبة العلم ... في أقطار
العالم الإسلامي
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين .
أما بعد
:
فقد نسمع
ونرى بعض المواقف ؛ عندما يُقال لفلان من أهل العلم صغيراً
كان أو كبيراً ، صاحب
سنة أو مخالف – قلتُ : بعض - :
نريد
منكم محاضرة أو درساً ؛ فربما بادر بالسؤال :
كم عدد الحضور
؟
أو هل
فيه حضور كثير ؟
أو يقال
له ابتداءً :
يا شيخ !
الحضور في جمع كبير من الناس – كطعم له وفتح شهية - !
فيسعد الشيخ
فلان ، أو الداعية فلان أو طالب العلم بذلك ويتهلل وجهه ، ويبادر بالموافقة .
وإذا قيل
له : الحضور لا بأس به ؛ رأيت التلوي والتمطط ، وبدأت الأعذار ... والله المستعان
!
؛ فليس الحديث موجهاً إليه . وكلاً يعلم من نفسه ما في نفسه - .
ونجد العلماء
الأجلاء الراسخون في العلم ؛ يأبون تعمد هذا التكاثر ، وإن حصل لهم بغير قصد ؛
فهذا فضل من الله تعالى .
وقد
استفدت في أول الطلب من شيخي العلامة بقية السلف صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله ؛
درساً ، إذ قال لي مرة ونحن نتحدث عن مسألةِ كثرة الحضور للدرس من قلته :
"لا
يهمنا الكَّم ، ولكن [أو بقدر] يهمنا الكيف" .
وتذكرتُ
قول الإمام أحمد وهو يُنَفِّر طلبته وأصحابه مِن حبّ الشهرة ، فقال :
"أَخْمِـُلْ ذِكْرَكَ ، فَإِنِّي أَنَا
قَدْ بُلِيت بِالشُّهْرَةِ" .
وأنقل
موقفاً فيه عِظة ودرس عملي لأهل العلم – صغيرهم وكبيرهم - من عالمٍ ناصح مجاهد ؛ محدِّث
العصر بِلا منازع ؛ ألاَ وهو :
"ناصر
الدين الألباني" رحمه الله .
اقتبسته
ونقلته من كتابةٍ للأخ الفاضل إحسان بن محمد بن عايش العتيـبي - وفقه الله -
بتاريخ 23 / جمادى الآخر / 1420 هـ :
"جاء
مرة بعض الإخوة من بنغلادش – من أهل الحديث – وقالوا للشيخ : إن عددهم حوالي أربعة
ملايين وإنهم يودون بزيارة الشيخ لهم هناك ، وقد جهزوا ملعباً يتسع لأعداد كبيرة
للقائه والاستماع إليه ، فرفض الشيخ الدعوة . فقال الداعي :
إنها
أسبوع يا شيخ !! فرفض الشيخ .
فأنزل
المدة إلى ثلاثة أيام !! فرفض الشيخ .
فأنزلها
إلى يوم واحد !! فرفض الشيخ وبشدة .
فقال
الداعي في النهاية : نريد محاضرة وتغادر على نفس الطائرة !!
فرفض
الشيخ وبشدة أيضاً .
فتعجب
الرجل من رفض الشيخ وكذلك الذين معه ، وانصرف الرجل حزيناً ، فسأل الأخُ أبو ليلى
- وهو الذي حدَّث بهذه القصة – الشيخَ : لم رفضت يا شيخ ؟
فرد
عليه رحمه الله : ألم تسمع ماذا قال ؟
فقال
أبو ليلى – محمد بن أحمد - : وماذا قال يا شيخ ؟ فقال :
ألم
تسمع قوله : إنهم أربعة ملايين !!
فتصور
أني أحاضر بمثل هذا العدد !
فهل
آمن على نفسي من الرياء ؟!!
وكان
درساً عظيماً من الشيخ لتلاميذه وللناس جميعاً بالبعد عن المواضع المهلكة للداعية"
. انتهى .
قلتُ
– أبو فريحان - : أربعة ملايين! وأبَى الشيخ الألباني أن يحاضر فيهم .
فما
بال بعض الدعاة أو المشايخ يتفاخر - إذا ذهب ألقى محاضر أو دورة علمية أو درساً
خارج البلاد أو داخلها – بحضور ألفين أو أربعة آلاف شخص ، ثم يرجع ويقول كان
الحضور 3 – 6 آلاف شخص في الدرس ! وقد يكتب ذلك في المنتديات : "رحلتي إلى
..." ! سبحان الله .
مسكين
! هزمه الشيطان فاغتر بنفسه .
أوْ
مَن حاضر في ملعب كرة قدم ، وقال متفاخراً : حضر (10 آلاف شخص) .
يا
ضعيف .. يا مسكين (أين 10 آلاف من 4 ملايين ؟! ) .
هؤلاء
الـ ... لو حاضروا في 4 ملايين ؛ لأغمي عليهم من الإعجاب والغرور ، ولانتفخوا من
الرياء والسمعة .
فاللهم
انفعنا بما علمتنا وزدنا علما نافعاً ، وعملاً صالحاً متقبلاً .
وارزقنا تواضعاً
لا سمعة فيه .
قيّده
/
أبو
فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
الجمعة
27 / 6 / 1425هـ .