وصايا ونصائح للعروس .
الأولى
: وصية أسماء بن خارجة بن حصن الفزاري
لابنته .
أوصى
أسماء بن خارجة الفزاري ابنته عند زفافها
لزوجها ، فقال : يا بنية ! قد كانت والدتك أحق بتأديبك مني أنْ لو كانت باقية ،
أمّا الآن ؛ فانا أحق بتأديبك من غيري ؛ فافهمي ما أقول :
"إِنَّكِ
خَرَجْتِ مِنَ الْعُشِّ الَّذِي فِيهِ دَرَجْتِ ، فَصِرْتِ إِلَى فِرَاشٍ لاَ
تَعْرِفِينَهُ ، وَقَرِينٍ لاَ تَأْلَفِينَهُ ، فَكُونِي لَهُ أَرْضاً
مطيعة أو ذليلة منقادة هينة ؛ يَكُنْ لَكِ سَمَاءً
يظل عليك برأفته ورفعته ، أو يمطر عليك بإحسانه
ونعمة .
وَكُونِي
لَهُ مِهَاداً ؛ يَكُنْ لَكِ عِمَاداً تستندين إليه
.
وَكُونِي لَهُ
أَمَةً ؛ يَكُنْ لَكِ عَبْداً .
ولاَ
تُلْحِفِي عليه في شيء ؛ فَيَقْلَاكِ
، وَلَا تَبَاعَدِي عَنْهُ – أي : لا
تمانعيه في الفراش - ؛ فَيَنْسَاكِ
، فإن من بَعُدَ عن العين ؛ بعد عن القلب .
إِنْ دَنَا
مِنْكِ ؛ فادني مِنْه بالمداعبة والانبساط ، وَإِنْ
نَأَى عنك بقبض وهيبة ؛ فَابْعُدِي
عَنْهُ .
وَاحْفَظِي
أَنْفَهُ وَسَمْعَهُ وَعَيْنَهُ ، فَلاَ
يَشُمَّنَّ مِنْكِ إِلاَّ طَيِّباً ، وَلَا يَسْمَعُ إِلاَّ حُسْناً ، وَلاَ
يَنْظُرُ إِلاَّ جَمِيلاً زيناً - يعنى : حسن الهيئة والتجمل-" .
"قوت
القلوب في معاملة المحبوب" (2 /421) لمحمد بن علي بن عطية الحارثي أبو طالب
المكي (ت 386هـ) .
الوصية الثانية :
وصيةُ أُمَامَةُ بِنْتُ الحَارِث لابنتها حين زفت إلى زوجها
:
أوصت المرأة العربية الحكيمة العاقلة ؛ أُمَامَةُ
بِنْتُ الحَارِث ابنتها حين زفت إلى
زوجها ، فقالت:
أَيْ
بُنَيَّة ! إِنَّ الوَصِيَّة لَوْ تُرِكَتْ لِفَضْلِ أَدَبٍ ، أو لتقدم حسب، لزويْتُ ذَلِكَ مِنْكِ ، ولأبعدته عَنْكِ ، وَلكِنَّهَا تَذْكِرَةٌ
لِلغَافِل، وَزَادٌ لِلْعَاقِل .
أَيْ
بُنَيَّة ! وَلَوْ
أَنَّ امْرَأَةً اسْتَغنَتْ عَنِ زَّوْجِ لِغِنى أَبَوَيْهَا ، وَشِدَّةِ
حَاجَتِهِمَا إِلَيْهَا ؛ كنْتُ أَغْنى النَّاسِ عَنه ، وَلَكِنَّ النِّسَاءَ
لِلرِّجَالِ خُلِقْن، وَلَهُنَّ خُلِقَ الرِّجَال .
أَيْ
بُنَيَّة ! إِنَّكِ فَارَقْتِ الحمى
الَّذِي مِنهُ خَرَجْتِ ،
وخلَّفت العُشَّ الَّذِي فِيهِ دَرَجْتِ؛
إِلى وَكْرٍ لَمْ تَعْرِفِيه، وَقَرِينٍ لَمْ تَأْلَفِيه ، فأصبح بملكه عليك مليكاً ، فَكُوني
لَهُ أَمَةً ؛ يَكُنْ لَك عَبْدَاً وشيكاً
.
أَيْ
بُنَيَّة ! احْفَظِي له عَنيِّ خصالاً
عشراً ، تكن لك ذخراً :
أما الأولى والثانية : الصُّحْبَةُ
بِالْقَنَاعَة ، والمعاشرة بِحُسْنِ
السَّمْعِ لَهُ وَالطَّاعَة ، فإن
في القناعة راحة القلب ، وفي حسن المعاشرة مرضاة للرب .
وأما الثالثة والرابعة : فالتَعَهُّدُ لِمَوْقِعِ
عَيْنِيه ، وَالتَّفَقُّدِ لمَوْضِعِ أَنْفِه ، فَلاَ تَقَعْ عَيْنُاهُ مِنْكِ
عَلَى قَبِيح ، وَلاَ يَشُمَّ مِنْكِ إِلاَّ أَطْيَبَ رِيح ، وَالكُحْلُ أَحْسَنُ الحُسْن ،
وَالمَاءُ أَطْيَبُ الطِّيبِ المَفْقُود .
وأما الخامسة والسادسة : فَالتَّعَاهُّدُ لِوَقْتِ
طَعَامِه ، وَالهُدُوءُ عِنْدَ مَنَامِه ؛ فَإِنَّ حَرَارَةَ الجُوعِ مَلْهَبَة ،
وَتَنغِيصُ النَّوْمِ مَغْضَبَة .
أما السابعة والثامنة : فَالحِفَاظُ عَلَى بَيْتِهِ
وَمَالِه ، والإرعَاءُ على نفسه
وحشمه وَعِيَالِه ، وملاك الأمر في المَالِ حُسْنُ تَقْدِير ، والإرعَاءُ حُسْنُ تَدْبِير .
وأما التاسعة والعاشرة : وَلاَ تُفْشِي لَهُ سِرّاً ،
وَلاَ تَعْصِي لَهُ أَمْرَاً ؛ فَإِنَّكِ إِن أَفْشَيْتِ سِرَّه ؛ لَمْ تَأْمَني
غَدْرَه ، وَإِن عَصَيْتِ أَمْرَه ؛ أَوْغَرْتِ صَدْرَه ، وَاتَّقِي مع ذَلِكَ الفَرَحَ بَيْنَ يَدَيْهِ
إِنْ كَانَ تَرِحَاً ، وَالاَكْتِئَابَ عِنْدَهُ إِنْ كَانَ فَرِحَاً ؛ فَإِنَّ
الأُولى مِنَ التَقْصِير ، وَالثَّانِيَةُ مِنَ التَّكدِير ، وَكوني أَشَدَّ مَا تَكُونِينَ
لَهُ إِعْظَامَاً ؛ يَكُن أَشَدَّ مَا يَكُونُ لَكِ إِكْرَامَاً ، وأشد ما تكونين له موافقة ؛ أطول ما يكون لك مرافقة .
وَاعْلَمِي بُنَيَّة ! أَنَّكِ لاَ تَصِلِينَ إِلى مَا
تحِبِّيَن ؛ حَتىَّ
تُؤثِرِي رِضَاهُ عَلَى رِضَاكِ، وَتُقدِّمي
هَوَاهُ عَلَى هَوَاك فيما أحببت أو كرهت
، والله يضع لك الخير وأستودعك الله" .
"الفاخر" (ص
186) للمفضل أبو طالب (ت 290هـ) ، و "مجمع الأمثال" (2 /262) لأبي الفضل
النيسابوري (ت 518هـ) ، و "المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها" (ص 82)
للباجوري (ت 1364هـ) .
الوصية
الثالثة : وصيةُ عبدُ اللهِ بْنُ جعفرِ لابنته .
قَالَ
عبدُ اللهِ بْنُ جعفرِ بن أبي طالب رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُم :
"يَا
بُنَيَّةِ ! إِيَّاكِ وَالْغَيْرَةَ ؛ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ الطَّلاقِ .
وَإِيَّاكَ
وَكَثْرَةَ الْمُعَاتَبَةِ ؛ فَإِنَّهَا تُورِثُ الضَّغِينَةَ .
وَعَلَيْكِ
بِالزِّينَةِ وَالطِّيبِ ، وَاعْلَمِي أَنَّ أَزْيَنُ الزِّينَةِ الْكُحْلَ ،
وَأَطْيَبُ الطِّيبِ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ" .
ويُقال إنها
لأَبي الْأسود الدُّؤَلِيُّ لابنته لما زَوجهَا – ؛ فإن كانت له ، فإنه قال في
ختامها :
"وكوني
كَمَا قلتُ لأمك :
خُذِي
العَفْوَ مِنِّي تَسْتَديمي مَوَدَّتي ... وَلاَ
تَنْطقِي فِي سَوْرَتي حِيْنَ اغْضَبُ
فَإِنِّي
رَأَيْتُ الْحُبَّ فِي الصَّدْرِ وَالْأَذَى ... إِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَلْبَثِ
الْحُبُّ يَذْهَبُ
"البيان
والتبيين" (2 /62) ، و "المحاسن والأضداد" (ص 267) كلاهم للجاحظ (ت
255هـ) ، و "عيون الأخبار" (4 /76) لابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ) ، و
"أنساب الأشراف" (2 /50) للبَلَاذُري (ت 279هـ) ، و "نثر الدر في
المحاضرات" (1 /294) لأبي سعد الآبى (ت 421هـ) ، و "الوافي
بالوفيات" (16 /307) للصفدي (ت 764هـ) .
الوصية
الرابعة : وصية
الإمام مالك رَحِمَهُ
اللَّهُ لابنته .
قال عبد
الملك بن حبيب : بلغني أن مالكاً - رحمه الله - خيّر ابنته في نفسها أن تنكح من
أحبت ، فاختارت فتى من أبناء الملوك قد رفض الدنيا وأخذ في الزهادة . فلما كان
انتقالها إليه اجتمع إليها أخوات ثلاث وحاضنة لها ، فابتدرت الحاضنة وصيتها ،
فقالت :
"أي
بنيتي ! من لم يعط من نور نظره ما يتبين له به رشده
ويعرف ما يؤذيه فيجتنبه ؛ كان كآكل السموم وهو لا يدري !
أي بنية !
النساء بخمس خصال لا غنى لهن عن واحدة منهن بينهن وبين الأزواج :
1- المحبة
بالغيب ؛ فإن القلوب شاهدة .
2- وحسن
الطاعة ؛ فإنها تثبت المودة .
3- والاقتصاد
؛ فإنه يُؤَمِّن من الملامة ، ويستبقي حسن المودة .
4- والطهارة
؛ فإنها تستهيل الهوى .
5- والعفاف
؛ فإنه يدعو إلى الخير .
فخذي حظك من
عقلك ، وانتفعي بنصيحتي" .
ثم قالت
إحدى أخواتها :
"يا
أخيتي ! إنك كنت مالكة ؛ فصرت مملوكة !
وكنت آمرة ؛
فصرت مأمورة !
وكنت مختارة
؛ فصرت مختاراً عليك !
وإنه لا
جمال للمرأة إلا بزوجها ؛ كما أنه لا جمال للشجرة إلا بأغصانها فلا تعاصي زوجك ؛ فتلحيه !
ولا تسلسي
كل السلس ؛ فتمليه !
وتوقي بوادر
ضجره ، واستبيني طرفاً من دعنه ، ولا تجعلي هزلك في ما يغضب في جده ، وقفي في نفسك
على حدود أمره !
وليكن رأس
طيبك الماء ، ورأس وسيلتك إليه الطاعة ، ورأس آلتك العفاف ، ولا تغيريه بسببه ،
ولا تمني عليه بحسنة ! وكوني له أمة يكن لك عبداً !" .
"أدب النساء الموسوم بكتاب العناية والنهاية" (ص 164-165)
لعبد الملك بن حَبِيب السلمي الإلبيري القرطبي (ت 238هـ) .
انتقاه
ونقله /
أبو
فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
21
/ 4 / 1421ه .