تنبيه
العُبّاد الغافلين من تفويت فضل العمل الحاضر
بالعمل
بما وقتُه واسع
المسألة الأولى :
عَنْ
أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(
لاَ يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَان وَالْإِقَامَة) .
وجاء
بألفاظ : ( إِنَّ الدُّعَاءَ لَا يُرَدُّ بَيْنَ
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، فَادْعُوا )
.
(
الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ ) .
(
الدَّعْوَةُ لَا تُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، فَادْعُوا ) .
(
الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَان وَالْإِقَامَة لاَ يُرَدُّ ) .
رَوَاهُ
أحمدُ (3 / 119، 155، 225، 254) ، وأَبُو دَاوُد (521) ، وَالتِّرْمِذِيّ (212، 3594،
3595) ، والنسائي في "الكبرى" (6 / 22) ، وابن خزيمة (425، 426) ، وابن
حبان (1694) ، والبيهقي في "الكبرى" (1 / 410) .
وقال
الترمذي : "حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ" (1 / 415) .
وصححه
ابن خزيمة وابن حبان ، وصححه الألباني في كثير من كتبه .
التنبيه :
يُلاحظ أنّ كثيراً من المسلمين بين الأذان والإقامة
في المساجد ينشغلون في تلاوة القرآن ؛ ويتركون فرصة الاجتهاد في الدعاء في هذا
الوقت الذي تُرجى فيه الإجابة للحديث المذكور .
وقد سمعت لشيخنا بقية السلف معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان كلاماً وتوجيهاً نحو ما ذكرتُ ، وقد لفتَ نظري واستفدتُ التنبيه منه حفظه الله ، وللأسف لا يحضرني الملف الصوتي .
قلتُ : ثم يسر الله لي بعض إخواننا السلفيين من بعث
كلام شيخنا مكتوباً ؛ وذلك بعد نحو ثمانية أيام من المقال ؛ وبالتحديد فجر
الأربعاء 10 / 9 / 1437هـ ؛ فجزاه الله خيراً .
قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله في شرح الحديث الصحيح
:
( الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَان وَالْإِقَامَة لاَ
يُرَدُّ ) :
"كثير من الناس يهملون الدعاء بين الأذان والإقامة ، ويشتغلون بتلاوة القرآن ؛ تلاوة القرآن
لا شك أنها عمل جليل ؛ ولكن تلاوة القرآن لها وقت آخر .
كونك تستغل
هذا الوقت بالدعاء والذكر ؛ أفضل ؛ لأن الدعاء المقيد في وقته أفضل من الدعاء المطلق، وتلاوة القرآن مطلقة في كل وقت ، وهذا الوقت مخصص للدعاء .
فكونك تشتغل بالدعاء والذكر والاستغفار ؛ أفضل من تلاوة القرآن في هذا الوقت ، هذا ينبغي
أن يُفطن له .." .
"تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام"
( ٦ / ٣٢٦ ) .
بل إن بعضهم ينشغل في الكلام والمزح مع بعضهم البعض
في تلك الفترة وكأن المسجد ملتقى لحديث القوم ، ونسوا وتناسوا أنهم في بيت من بيوت
الله جاؤوا يعبدون الله ويسألونه فأهملوا ذلك وانشغلوا بما دونه .
نعم . لا يُفهم أننا نمنع من تلاوة القرآن في هذا
المقام ، ولكن هو من باب التنبيه لغفلة الكثير والكثير من المسلمين عن الاجتهاد في
الدعاء في هذا الموضع والموطن ؛ وهم في حاجة إلى الدعاء ، فيفوتون على أنفسهم
الراجح والفاضل ، لاسيما أن أوقات التلاوة واسعة جداً ؛ فيمكن قراءة القرآن في أي
وقت .
فعلى أقل تقدير أن تجعل يا عبدالله للدعاء حظاً أوفر فيما بين الأذان
والإقامة .
فائدة :
لا يلزم أن تكون بين الأذان والإقامة في
صلاة ؛ لأن الحديث لم يقيد بل أطلق ؛ حتى أنت في البيت أو في العمل أو تمشي إلى
المسجد ؛ فلا تفوت فرصة الدعاء في هذا الوقت ، فلفظ الحديث يستفاد منه : دوام
الاستجابة حتى الإقامة ؛ وهو ظاهر الحديث ولا يُفهم غيره .
قلتُ : وتكون الإجابة أرجى إذا كنت يا عبدالله في
المسجد تنتظر الصلاة لأنك في صلاة منها وأنت خارج المسجد ، فكيف بك إذا كنت صائماً
وفي رمضان وقائماً تصلي حينها ؟!
قال عبد المحسن العباد محدث المدينة في
شرح الحديث :
" يعني أنه – أي : الدعاء - يقبل ، وأن ذلك من
أسباب قبول الدعاء أو من الأوقات التي يقبل فيها الدعاء ، وذلك أن الإنسان عندما
يكون بين الأذان والإقامة ينتظر الصلاة هو في صلاة وفي عبادة وفي إقبال على الله
عز وجل ؛ وبُعُدَ عن مشاغل الدنيا والحديث فيها والتعلق بها ، فيكون ذلك من
الأوقات التي يقبل فيها الدعاء ، ويرجى فيها قبول الدعاء" .
"شرح سنن أبي داود" 72 / 19) عن
"الشاملة" .
ومن
فقه العلماء أنهم بوّبوا على الحديث ما يُبين أهمية الدعاء بين الأذان والإقامة :
قال
ابن حبان: "ذِكْرُ اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنَ الدُّعَاءِ بَيْنَ
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إِذِ الدُّعَاءُ بَيْنَهُمَا لَا يُرَدُّ".
وبوب
له النسائيُّ في "الكبرى" فقال : "التَّرْغِيبُ فِي الدُّعَاءِ بَيْنَ
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ" .
وقال
في "عمل اليوم والليلة" : "التَّرْغِيب فِي الدُّعَاء بَين
الْأَذَان وَالْإِقَامَة" .
وقال
ابنُ خزيمةَ : "بَابُ اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ بَيْنَ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ غَيْرَ مَرْدُودَةٍ بَيْنَهُمَا"
.
فينبغي
أن لا يُفوِّت المسلم على نفسه هذه الفرصة ويشتغل بالمفضول عن ذلك .
قال المظهر :
"الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة ؛ لشرف ذلك الوقت ، وإذا كان الوقت أشرف ؛
كان ثواب العبادة أكثر" .
"ذخيرة
العقبى في شرح المجتبى" (8 / 352) لمحمد بن علي بن آدم الإثيوبي .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
كتبه
/
أبو
فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
2
/ رمضان / 1437ه