المخالفون
يسألون ويتساءلون :
لماذا إذا عملنا عملاً نتقرب به إلى
الله ولم يكن عليه أثرة من علم ؛ قلتم هذا إحداث في الدين ؟
بينما بعضكم يا مدّعي
"السلفية" اليوم تعملون أعمالاً ليست من السنة النبوية في شيء ،
ولم
يعملها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ولا أصحابه ، وليس عليها دليل ؟
ولنضرب بعض
الأمثلة كي يتضح المقال لا على الحصر :
أولاً :
إذا مات الميت ؛ أَرسلتم بالرسائل هنا وهناك عبر مواقع التواصل ، وأنشأتم
المجموعات والقنوات لذلك ، وملأتم صفحات الجرائد ؛ تنعون الميت ؛ وتعلنون خبر
وفاته ، ووقت الصلاة عليه والمكان والدفن .
فهل ورد ذلك في السنة ؟
والنعي وهو الإخبار والإعلان بموت فلان
؛ ليس من السنة ولا دليل عليه .
لا يقول قائل : إن النبي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعى النجاشي لأصحابه وصلى عليه وهذا ثابت بالدليل الصحيح .
فنقول : النجاشي مات مسلماً في أرض
الكفر ولم يكن أحدٌ صلى عليه ، وله الأيادي البيضاء في احتضانه أصحاب النبي صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ ورَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُم في الهجرتين المشهورتين إلى أرض النجاشي
"الحبشة" .
وهذه حادثة خاصة ولم تتكرر ، ولم
يفعلها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مع أحدٍ من أصحابه إلا في خبر الثلاثة في معركة مؤتة ففي الخبر :
قَالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ
إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ ، وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ ، فَقَاتَلَ
حَتَّى قُتِلَ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - ، ثُمَّ
أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ - أَوِ
اسْتُشْهِدَ - ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ
الْوَلِيدِ ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ) . رواه أحمد .
وفي لفظ البخاري :
"أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْداً ، وَجَعْفَراً ،
وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ ، فَقَالَ :
(أَخَذَ
الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ
ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ) - وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ- :
(حَتَّى
أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ) .
ويلاحظ
في الروايات ؛ أنه لم يأت ذكر أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى عليهم كما
صلى على النجاشي ؛ وهم عنده لا شك أحب من النجاشي ؛ لأمور عدة لا مجال لذكرها هنا
.
وإنما
كان نعيه الثلاثة إخبار منه لعلمٍ أوحاه الله تعالى إليه قبل وصول خبرهم بالبريد ،
ولكي تحد الأزواج على أزواجهن .
ثانياً :
السفر من مدينة إلى مدينة لحضور جنازة فلان وتشييعه مع إن في بلدته آلاف من يصلي
عليه ويشيعه .
فهل كان السفر هذا على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأصحابُه والسلف الصالح ؟
وهل عليه دليل ؟
لسنا نعني تحرير المسألة فقهياً ونجلب
أقوال الفقهاء وآرائهم ، ولكنا نتكلم من منطلق سنة وإحداث ؛ كما تُطبقون ذلك علينا
– من تنعتونا بالمخالفين "المحدثين" - .
فهل سافر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أو أحد من أصحابه لهذا السبب ؟
ثالثاً :
الوقوف أو الجلوس للتعزية سواء في المقبرة بعد دفن الميت أو الاجتماع في بيت أهل
الميت لاستقبال المعزين ليل نهار .
هل عندكم أثرة من علم فتخرجوه لنا ؟
فهذا النبي الكريم الرحيم المشفق بأمته
وأهل بيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات في
حياته عدد من أهل بيته ؛ فلم يثبت أنه نصَب نفسه وجلس لاستقبال المعزين .
مات أبناؤه الثلاثة : القاسم
، وعبد الله ، وإبراهيم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم .
وتوفين بناته الثلاثة : زينب
، ورقية ، وأم كلثوم رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُنّ .
وأزواجه الثلاثة :
خديجة ، وزينب أم المساكين ، وريحانة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنّ .
وسيد الشهداء حمزة ، وجعفر .
كل هؤلاء ماتوا في حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يثبت أنه أقام
مجلس للعزاء يستقبل فيه الصحابة لا في بيت ولا في مسجده صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا في المقبرة .
فهل ما تفعلونه اليوم محدثة أم سنة ؟
ولم يثبت عن الصحابة أنهم فعلوا ذلك .
بل إن تتمة الخبر أعلاه من رواية أحمد وغيره
:
"فَأَمْهَلَ
، ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ - ثَلاثاً - أَنْ يَأْتِيَهُمْ ، ثُمَّ أَتَاهُمْ ،
فَقَالَ :
(لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي
بَعْدَ الْيَوْمِ)" .
فليس في الخبر أنه كان جالساً للتعزية ؛
وآل جعفر منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
ولم يذهب لتعزية آل جعفر في بيتهم خلال الأيام الثلاثة بل ذهب إليهم يدعو لهم ولجعفر
ويؤنسهم كأب ونبي رحيم بأمته صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فهل من مدّكر ؟
رابعاً : تقييد العزاء بثلاثة أيام ،
فما كان أصله محدث – أعني الجلوس والاجتماع في بيت الميّت للعزاء - ؛ فالفرع لا شك
أنه محدث .
وبالله التوفيق .
خاطرة كتبها /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
السبت 24 / 11 / 1437هـ