من
آداب زيارة المريض مواساته وبثّ روح الطمأنينة في نفسه ؛
لا إهداؤه كفن الموت !
قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عُودُوا الْمَرِيض) .
رَوَاهُ البُخَارِيّ - وغيره - (2881) في مواضع عدة في "صحيحه" .
من
آداب ومقاصد الشريعة في زيارة المريض :
مُواساةٍ
ومؤازرة لذلك المريض ، وبثِّ روح الطّمْأنة في نفسه ، وتَطْيِّيب نفس المريض فيهدأُ
قلبُه معها ، وتَشُدّ مِن أزْره ، وتسليته بكلام طيب جميل تطيب به نفسه كما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ، ويقول إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ :
( لاَ بَأْس َ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) .
رواه البخاري (3420) .
أنها
تَبعث في المريض روح الأمل في الشفاء بإذن الله تعالى إذا ارتبطت الزيارة بالدعاء
له بالشفاء ، لأن الدعاء بالشفاء للمريض يعني أن يصح ويكون عضواً فعالاً في
المجتمع ، ينفع نفسه بالأعمال الصالحة كلما طال عُمره ، فيمشي إلى صلاة ويُغَبِّر
رجليه في الجهاد في سبيل الله ، ويصبر على الأذى في سبيل الدعوة إلى الله ، ويغيض
عدواً ؛ وهلمجر .. من الأعمال الصالحة ، ومصداق ذلك في الحديث :
قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(إِذَا
جَاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضاً ، قَالَ : "اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ ،
يَنْكَأُ لَكَ عَدُوّاً ، وَيَمْشِي لَكَ إِلَى الصَّلَاةِ [جَنَازَةٍ]") .
رَوَاهُ أَحمد (2 / 172) ،
وأبو داود (3107) ، وابن حبان (2974) ، والحاكم (1 / 344، 549) . وهو صحيح .
وليس
من مقاصد زيارة المريض ؛ أن تدُّب في نفسه اليأس والقنوط وتزيد من همومه وآلامه بتذكيره
الموت ؛ بإحضار الكفن له عند زيارتك له .
بل وليس ذلك من الحكمة ولا من أفعال
العقلاء – ناهيك أن يكون ذلك سبباً لاتهام الشريعة ، واستهجان دُعاتها مِن قِبل
العامة - ، لأن النفس البشرية مجبولة على حب الحياة والبقاء وطول الأمل ، كما في
الحديث :
قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الشَّيْخُ يَكْبَرُ
وَيَضْعُفُ جِسْمُهُ ، وَقَلْبُهُ شَابٌّ عَلَى
حُبِّ اثْنَتَيْنِ : حُبُّ [طُولِ]
الْحَيَاةِ [الْعُمُرِ] [الْعَيْشِ]، وَحُبِّ الْمَالِ) .
رَوَاهُ
أَحمد (2 / 317، 501) ، ومسلم (1046) ، والترمذي (2338) ، وابن ماجه (4233) ، وابن
حبان (3230) ، والحاكم (4 / 328) . وهو صحيح .
وَأَمَّا
حدِيثُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ
اللَّذَّاتِ : الْمَوْتِ ) .
رَوَاهُ
أحمد (2 / 292) ، وَالتِّرْمِذِيُّ (2307) ، وَالنَّسَائِيّ (1824) ، وَابْن
مَاجَه (4258) . وهو صحيح .
فليس
معناه ؛ أن نذكر الموت عند المريض ؛ فنزيده هماً وغماً ومرضاً على مرض ويأساً من
الحياة ؛ لأن ذلك ليس من مقاصد الزيارة للمريض كما سبق بيانه ، بل هذا الحديث : لزجر
المسلم وردعه عن المعاصي والذنوب لئلا يستمر فيها ولا يستمر على الكون إلى الدنيا
والانشغال بها عن الآخرة في حال صحته وعافيته ، وتحفيزاً للمسلم على فعل الصالحات
والتوبة قبل أن يباغته الموت .
قال
الصنعاني :
"وَالْحَدِيثُ
: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ ذِكْرِ
أَعْظَمِ الْمَوَاعِظِ وَهُوَ الْمَوْتُ ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا : (أَكْثِرُوا
مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَمْحَقُ الذُّنُوبَ وَيُزْهِدُ فِي الدُّنْيَا
فَإِنْ ذَكَرْتُمُوهُ عِنْدَ الْغِنَى هَدَمَهُ ، وَإِنْ ذَكَرْتُمُوهُ عِنْدَ
الْفَقْرِ أَرْضَاكُمْ بِعَيْشِكُمْ)" .
"سبل
السلام" (2 / 184) عطا . و (2 / 533) الخولي .
كتبه
/
أبو
فريحان جمال بن فريحان الحارثي .