عن الحسن -رحمه الله- أن عمر -رضي الله عنه- كان يقول:
"اللّهُمّ اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه
شيئًا". {رواه أحمد في "الزهد" (118)}



الجمعة، 26 أغسطس 2016

الرّد على أهل البدع الجهاد وهو مِنَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر







 


الرّد على أهل البدع


مِنَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل هو من الجهاد.


 




قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :


( فَلَعَمْرِي ؛ لَأَنْ تَكَلَّمَ بِمَعْرُوفٍ ، وَتَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ ؛ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَسْكُتَ ) .


"الصحيحة" (2945) .


قلتُ : ومِنَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ الرد على أهل البدع بالدليل والبرهان ، بل هو من الجهاد في سبيل الله .


قال ابن تيمية رحمه الله : "الرّادّ على أهل البدع ؛ مجاهد .


حتى كان يحيى بن يحيى يقول : الذّبّ عن السّنة ؛ أفضل من الجهاد" .


"الرد على الأخنائي" (ص 5) .


 


وقال العلامة ابن القيم :


"الْجِهَاد نَوْعَانِ : .. ، وَالثَّانِي :


الْجِهَاد بِالْحجَّةِ وَالْبَيَان ، وَهَذَا جِهَاد الْخَاصَّة من اتِّبَاع الرُّسُل ، وَهُوَ جِهَاد الائمة ، وَهُوَ افضل الجهادين ؛ لعظم منفعَته ، وَشدَّة مُؤْنَته وَكَثْرَة اعدائه" .


"مفتاح دار السعادة" (1 / 70) .


 


وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية جواباً شافياً على من تمنّى من بعض من ترجم له - رحمه الله - أن لو جعل جهده في تفسير القرآن العظيم ، وشرح السنة المطهرة ؛ بدلاً من الإكثار من الردّ على أهل البدع والأهواء ، وعلى من تساءل عن سبب إكثاره من التأليف في الأصول ، وقلّة تآليفه في العلوم الأخرى ، فقال رحمه الله :


"فإني رأيت أهل البدع والضلالات والأهواء ؛ كالمتفلسفة، والباطنية، والملاحدة ، والقائلين بوحدة الوجود ، والدهرية ، والقدرية ، والنصيرية ، والجهمية ، والحلولية ، والمعطلة ، والمجسمة ، والمشبهة ، والراوندية ، والكلابية ، والسليمية [السالمية] ، وغيرهم من أهل البدع ؛ قد تجاذبوا فيها بأزمة الضلال ، وبان لي أنّ كثيراً منهم إنما قصد إبطال الشريعة المقدسة المحمدية الظاهرة العلية على كلّ دين ، وأن جمهورهم أوقع الناس في التشكيك في أصول دينهم .
ولهذا قلّ أن سمعت أو رأيت معرضاً عن الكتاب والسنة ، مقبلاً على مقالاتهم إلا وتزندق ، أو صار على غير يقين في دينه واعتقاده .
فلما رأيت الأمر على ذلك ؛ بان لي أنه يجب على كلّ من يقدر على دفع شبهتهم وأباطيلهم ، وقطع حجتهم وأضاليلهم ؛ أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم ، ويزيّف دلائلهم ؛ ذباً عن الملة الحنيفية ، والسنة الصحيحة الجليّة" .


"النبوات" (1 / 70) مقدمة المحقق : الطويان .


 


وقال ابن تيمية أيضاً :


"وَمِثْلُ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْعِبَادَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ بَيَانَ حَالِهِمْ وَتَحْذِيرَ الْأُمَّةِ مِنْهُمْ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ .


وقال رحمه الله : قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَعْتَكِفُ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ؟ فَقَالَ : "إذَا قَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ ؛ فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ؛ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا أَفْضَلُ" .


فَبَيَّنَ أَنَّ نَفْعَ هَذَا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" .
"مجموع الفتاوى" (28 / 231) .


 


 


مُلحق توضيح كلمة ( لَعَمْرِي ) في الحديث :


قلتُ : وحديث الترجمة هو كالحديث :


( كُلْ ، فَلَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ ، لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ ) .


رَوَاهُ أَحْمد ، وَأَبُو دَاوُد وغيرهما .


 
قال الطيبي في " شرح مشكاة" (7 / 2212) :


"(فَلَعَمْرِي) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضمِّها ؛ أَيْ : لَحَيَاتِي وَاللَّامُ فِيهِ للتأكيد [لَامُ الِابْتِدَاءِ] . أقول : لعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مأذوناً بهذا الإقسام ، وأنه من خصائصه ؛ لقوله تعالي : {لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ} ؛ قيل : أقسم الله تعالي بحياته ، وما أقسم بحياة أحد قط ؛ كرامة له" .


" شرح مشكاة" للطيبي (7 / 2212) ، و "مرقاة المفاتيح" للقاري (6 / 181 / 2986) .


 


قال الشوكاني :


" قَوْلُهُ: (فَلَعَمْرِي) أَقْسَمَ بِحَيَاةِ نَفْسِهِ كَمَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ ، وَالْعَمْرُ وَالْعُمْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا وَاحِدٌ ، إلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا الْقَسَمَ بِالْمَفْتُوحِ لِإِيثَارِ الْأَخَفِّ .


وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَلِفَ كَثِيرُ الدَّوْرِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ؛ وَلِذَلِكَ حَذَفُوا الْخَبَرَ ، وَتَقْدِيرُهُ : لَعَمْرُك مِمَّا أُقْسِمُ" .


"نيل الأوطار" (5 / 292) وفي أخرى (5 / 348) .



وأوجز عبارة وأوضح معنى وجدته للعلامة بدر الدين العيني الحنفي (ت 855هـ) حيث قال :


"قوله : (فَلَعَمْري) قسم ، وهو مرفوع بالابتداء ، وخبره محذوف ، والمعنى : لعمري قسمي ، يعني : أحلف ببقائي ودوامي ، وأحلف بحياتي و"اللام" فيه للتأكيد ، والعين فيه مفتوحة" .


"نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار" (16 / 357) .


 


قلتُ : ومع هذا ؛ لم ترُقني هذه الشروحات لكلمة (لَعَمْري) على أنها قسم ، حيث تضاربت بعض أقوال من فسرها بأنها قسم بحياتي ، ومنهم من قال : "لعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مأذوناً بهذا الإقسام ، وأنه من خصائصه" .


قلتُ : كيف تكون من خصائصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد استعملها بعض الصحابة 
كعائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : "فَلَعَمْرِي ، مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ" -
رواه مسلم (1277)- وغيرها ، وبعض أهل العلم من أئمة الدين من السلف بعد الصحابة ؟!


 وممن نقلتُ عنهم ؛ اطلق بأنها قسم ولم يوضح ، ومنهم من قال :
"يعني : أحلفُ ببقائي ودوامي" .


قلتُ : إن كان من تلك المعاني المنقولة ما هو موافق على أنها قسم ولكن ليس قسم بالحياة ؛ فهو قول مَن قال : "يعني : أحلف ببقائي ودوامي" ، فهو أقرب إنْ كان المعنى على ما يستعمله البعض اليوم ونسمعه مِن قَسَمٍ ؛ كقول القائل :
" والذي -واللي- يفقدني حياتي ما فعلتُ كذا وكذا" .


فالمعنى يكون : أنه أقسم بالله على عمره وحياته ؛ إذْ أن الله هو الذي يحيي ويميت وبيده الحياة والموت ، فلم يُقسم بحياتيه ، وإنما أقسم بالذي يفقده الحياة - كناية عن الذي يميته وهو الله تعالى .


فإن كان المعنى على هذا ؛ فهو صواب ، لأني لم اقتنع أنه قسم بالحياة . والله أعلم .


 
ثم اجتهد في البحث لعلي أجد ما يُقارب جوابي أو نحوه على قدر جهدي مع ضعفي وقلة بضاعتي ؛ فوجدت ما أشفى غليلي وهو من قول محدث المدينة النبوية في عصره اليوم الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر حفظه الله إذ يقول :


"وقوله : (لَعَمْرِي) هذه من الصيغ المؤكدة ، وليست قسماً ، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستعمل هذا كما في هذا الحديث، وعائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كانت تستعمل هذا كما جاء عنها أنها قالت : (لَعَمْرِي مَا أتَمَّ اللهُ عُمْرةَ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) .


وكذلك يستعمله العلماء من أهل السنة ، فهو ليس من ألفاظ القسم ، وإنما هو من ألفاظ تأكيد الكلام .


والشيخ حماد الأنصاري رحمه الله كتب في هذا بحثاً ، وهو منشور في "مجلة الجامعة" بعنوان (لَعَمْرِي)" . انتهى .


"شرح سنن أبي داود" (رقم الدرس 391 / 9) "الشاملة" .


 هذا ما تيسر لي في توضيح كلمة (لَعَمْرِي) .


وبالله التوفيق .


 


كتبه /


أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .


الجمعة  23 / 11 / 1437هـ .