هل وقع لك مثل
هذا الموقف الذي هو بتعبير اليوم :
"موقف
محرج" ؟ للعظة والعبرة .
هل دخلت يوماً ما محل تجاري وتبضعت ،
ثم عند الحساب تفاجأت بأن نقودك ليست معك ؟
هل وقفت عند محطة بنزين وزودت مركبتك به
، ثم تفاجأت أنك لا تملك المال في ذلك الوقت ؟
هل وهل وهل .... ؟
ماذا كان اتهام الناس المعنيين بتلك
الواقعة لك في حينها ؟
هل قالوا : كذّاب ؟ محتال ؟ حرامي ...
هلمجر ... ؟
اقرأ هذا الحديث ومناسبته فقد وقع
للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الموقف واتُّهم بالغدر صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك الأعرابي وحاشاه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومع
ذلك فقد عَذَره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقال ما قال في حق ذلك الأعرابي
؛ وذلك من خُلقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وتواضعه ، وانظروا كيف وفّاه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وانظروا كيف أثرت معاملة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسنة مع الأعرابي ، وماذا كان
ردة فعل الأعرابي وموقفه من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟!
]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[ .
الحديث :
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
:
( أُولَئِكَ
خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْمُوفُونَ
الْمُطَيِّبُونَ ) .
"الصحيحة" (2677) .
{ مناسبة الحديث } :
عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ :
"ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَعْرَابِ جَزُوراً - أَوْ جَزَائِرَ -
بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذُّخْرَةِ "وَتَمْرُ الذَّخِرَةِ : الْعَجْوَةُ"
، فَرَجَعَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِهِ
وَالْتَمَسَ لَهُ التَّمْرَ ؛ فَلَمْ يَجِدْهُ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ :
(يَا عَبْدَ اللَّهِ ! إِنَّا قَدْ
ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزُوراً[1]
- أَوْ جَزَائِرَ - بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذُّخْرَةِ ، فَالْتَمَسْنَاهُ ؛ فَلَمْ
نَجِدْهُ) . قَالَ : فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَاغَدْرَاهُ ! قَالَتْ : فَنَهَمَهُ
النَّاسُ ؛ وَقَالُوا : قَاتَلَكَ اللَّهُ ، أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(دَعُوهُ ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ
مَقَالاً) .
ثُمَّ عَادَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَقَالَ : (يَا عَبْدَ اللَّهِ ! إِنَّا ابْتَعْنَا
مِنْكَ جَزَائِرَكَ وَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ عِنْدَنَا مَا سَمَّيْنَا لَكَ ،
فَالْتَمَسْنَاهُ ؛ فَلَمْ نَجِدْهُ) . فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَاغَدْرَاهُ !
فَنَهَمَهُ النَّاسُ ، وَقَالُوا : قَاتَلَكَ اللَّهُ ، أَيَغْدِرُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (دَعُوهُ ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً) ،
فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً ، فَلَمَّا رَآهُ لَا يَفْقَهُ عَنْهُ ، قَالَ لِرَجُلٍ
مِنْ أَصْحَابِهِ :
(اذْهَبْ إِلَى خُوَيْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ
بْنِ أُمَيَّةَ ؛ فَقُلْ لَهَا : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ لَكِ : إِنْ كَانَ عِنْدَكِ وَسْقٌ مِنْ تَمْرِ الذُّخْرَةِ ؛
فَأَسْلِفِينَاهُ حَتَّى نُؤَدِّيَهُ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) . فَذَهَبَ
إِلَيْهَا الرَّجُلُ ، ثُمَّ رَجَعَ ، فَقَالَ : قَالَتْ : نَعَمْ ، هُوَ عِنْدِي
يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ : "اذْهَبْ بِهِ ؛ فَأَوْفِهِ الَّذِي
لَهُ) .
قَالَ : فَذَهَبَ بِهِ ؛ فَأَوْفَاهُ
الَّذِي لَهُ . قَالَتْ :
فَمَرَّ الْأَعْرَابِيُّ بِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ . فَقَالَ :
جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً ، فَقَدْ
أَوْفَيْتَ وَأَطْيَبْتَ . قَالَتْ :
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فَذَكَرَهُ)" .
{ قَالَ شيخُنا الألباني في "الصحيحة" (6 / الأول / 394) } :
قوله : ( الذُّخْرَة ) : بمعنى الذخيرة ،
في "اللسان" {(4 /302)} : "والذَّخِيرَةُ : وَاحِدَةُ الذَّخائِر ،
وَهِيَ مَا ادُّخِرَ ، وَكَذَلِكَ "الذُّخْرُ" ، وَالْجَمْعُ : أَذْخارٌ"
.
ولم
يعرفها الأعظمي- في تعليقه على "الكشف" فعلّق عليها بقوله :
"كذا
في الأصل مضبوطاً بالقلم ، وفي "النهاية" {(2 /156)} : الذخيرة نوع من
التمر معروف" !
قلت
: وهي مفسّرة في رواية أحمد بـ"الْعَجْوَة" كما رأيت .
(
الموفُون المطيِّبون ) ؛ أي : الذين يؤدُّون ما عليهم من الحق بطيب نفس .
(
نَهَمَهُ ) ؛ أي زجره .
يقال
: نَهَمَ الإبل إذا زجرها وصاح بها لتمضي .
"الصحيحة":
(6 / الثاني / 835 ) .
انتقاه
ونقله /
أبو
فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
4
/11 / 1424هـ
..............................
(المفردات) : ( الجَزُورُ ) : البَعِير ذَكَراً
كَانَ أَوْ أُنْثَى ، إلا أنَّ اللَّفْظة مُؤنثة ، تقول : هذه الجَزُوُر ؛ وَإن
أردْت ذكَراً ، والجمْع : جُزُرٌ وجَزَائِر . "النهاية" (1 /266) .
وَ ( الْتَمَسَ لَهُ التَّمْرَ أو فَالْتَمَسْنَاهُ
) ؛ أي : طلب وبحث له عن التمر .
وَ ( الوَسْق )
بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة : سِتُّونَ صَاعاً . وَقيل : حِمْلُ
بعير . قاله المنذري في "الترغيب والترهيب" .