{ الخلافُ شرٌّ ونقمة }
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدِ اخْتَلَفْتُمْ وَأَنَا بَيْنَ
أَظْهُرِكُمْ ، فَأَنْتُمْ بَعْدِي أَشَدُّ اخْتِلَافاً ) .
"الصحيحة" (3256) .
{ مناسبة الحديث } :
عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ أَنَّهُ
سَمِعَ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَّأَ لِابْنِ صَائِدٍ دُخَاناً ،
فَسَأَلَهُ عَمَّا خَبَّأَ لَهُ ؟ فَقَالَ : دُخْ . فَقَالَ :
(اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ) . فَلَمَّا
وَلَّى ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(مَا قَالَ ؟) .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : دُخْ . وَقَالَ
بَعْضُهُمْ : بَلْ قَالَ : زُخْ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : . .
. (فَذَكَرَهُ)" .
{ قَالَ شيخُنا الألباني (7 / الثاني /772- 773) } :
واعلم أن أحاديث ابن صياد وسؤال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه عن ( الدخان ) وعجزه عن الجواب
كثيرة ، وبعضها في "الصحيح" و "السنن" ، فانظر :
"المشكاة" (5494) ، و "صحيح سنن أبي داود" (الملاحم) ، وليس
هذا فيها ، وإنما خرجته هنا لأمرين :
الأول
: لما فيه من الزيادة عليها من سؤاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه عما قال ابن صياد ، ورده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم بقوله : (قَدِ اخْتَلَفْتُمْ . . .) .
والآخر
: أنني أردت أن أُذَكِّرَ به أولئك الغافلين الذين يَنْسبون إلى الدين ما ليس منه ،
فيقولون : إن النبي صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : "اختلاف أمتي رحمة" أو : "اختلاف
أصحابي لكم رحمة" ، وغير ذلك مما بينت وضعه في محله ، ولهذا فهم يقرون
الاختلاف الشديد بين المذاهب ويتخذونه ديناً ، خلافاً للكتاب والسنة كما بينه
العلماء - رحمهم الله تعالى - ، ويغلو بعض أولئك فيزعم أن لكل قول من تلك الأقوال
المتناقضة دليلاً من السنة ؛ كخروج الدم مثلاً ، فيتخيلون أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل مرة عنه ، فأجاب بأنه ينقص الوضوء
، وسئل مرة أخرى ؛ فأجاب بأنه لا ينقض ! ونحو ذلك من التخيلات التي لا أصل لها في
السنة ، وينشدون بهذه المناسبـة قول ( بُوصيريِّهم ) في مدح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
وكُلُّهم
من رسول الله مُلْتمِس . . . . .
. . . . . .
وغير
ذلك من الأقوال التي لم يقلها عالم من قبل .
فلعل
في أولئك الغافلين من يتنبه من غفلته ، ويعود إلى رشده حين يرون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرضى من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم - اختلافهم في تحديد ما قال ابن صياد ؛
هل هو ( الدُّخ ) أو ( الزخ )؟ مع أن مثل هذا الاختلاف ليس له علاقة بالدين مطلقاً
كما هو ظاهر ، لعلهم حين ينتبهون لهذا يتبين لهم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرضى منهم الاختلاف في الدين ولا
يقره من باب أولى .
فالحق
أن الخلاف - وهو الذي يسميه ابن تيمية - رحمه الله - اختلاف تضاد - إنما هو نقمة
وليس برحمة .
وحسب
المسلم البصير في دينه أن يعتذر عن المختلفين بعذر معقول ، ويعتقد بأنهم جميعاً
مأجورون على التفصيل الوارد في الحديث .
أما أن يقر الاختلاف نفسه ويدافع عنه ،
بدعوى الدفاع عن الأئمة ، كما يعلن ذلك بعضهم في بعض الإذاعات الإسلامية ؛ فذلك من
التدليس على الناس ، والخلط بين الحق والباطل . نسأل الله السلامة في ديننا
وعقولنا .
انتقاه وقيّده /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي .
6 / 1 / 1426هـ